ذيل مراه الزمان (صفحة 1601)

وثبات الأسود، وتبارى بها الحصن السماء، فكلما قذفت هذه بكواكبها الزهر، قذف هذا بكواكبه السود، ولم يكسر له منجنيق إلا نصبوا عشراً مكانه، ولا قطعت لأحدها إصبع إلا ومد لآخر بنانه، فتطلب بتجارب مثل الكماة، وتتحايل تحايل الرماة، حتى فتحت وفسحت الرحال مجالاً، ونالت ونيل منها، وكذلك الحرب تكون سجالاً، هذا، والنقوب قد دبت في بواطنه دبيب السقام، وتمشت في مفاصله كما يتمشى في مفاصل شاربها المدام، وحشت أخالعه ناراً تشبه نار الهوى تحرق الاحشاء ولا يبدو لها ضرام فقد أحل من حلة الوجل، وتحققوا حلول الأجل، وأيقن الحصن بالانتظام في سلك ممالك الإسلام، وكاد يرقصه ممن فيه فرط الجدل. وزاد شوقه إلى التشريف بوسمها، وما صبا به مشتاق على أمل اللقاء كمشتاق بلا أمل، لكنهم أظهروا الجلد. وأحفظوا إضرام نار الكمد. وكيف يخفى وقد انحلوا في أشراك إشراكهم، لعلمهم أنه لا مقاض من يد أهل التوحيد لأهل الأحد، وتدفقت إليهم الجيوش المنصورة، فملأت الأفق، وأحاطت بهم إحاطة الطوق

بالعنق، ونهضت إليهم مسندة من عزمات سلطانها، مستعدة لانتزاح أرواح العدى على يدها من أوطانها، فانقطعت بهم الظنون. ودارت عليهم رحى المنون. وأمطرت عليهم المجانيق أحجارها، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعلمون، لمن بها من اللهب تلك الأحجار، فهدمت العمائر والأعمار، وأجرت في نواحيها أنهار الدماء، فهلكوا بالسيف والسيل والنار. ولما ركب مولانا السلطان خلد الله ملكه وسلطانه لأول الزحف في جيوشه الذي كاثرت البحر بأمواجه، وسقت العدى على ربها بالخوف كؤوساً أو من أجاجه. تزلزلت الحصن لشدة ركضه، وتضعضع من خوف غضبه، فلحقت سماؤه بأرضه، وتحللت قواعد ما شيد من أركانه، فانحلت وانشقت سماؤه من الجزع، فألقت الأرض ما فيها وتخلت، مشت النار من تحتهم وهم لا يشعرون، ونفخ في الصور بل في السور فإذا هم قيام ينظرون، وما كان إلا أن قابل مولانا السلطان خلد الله سلطانه ما شمخ من أبراجه حتى أهوى يلثم بين يديه التراب، وتأدب بآداب الطاعة حين نظرت إليه، فخر راكعاً وأناب. فهاجمهم الجيوش المنصورة مهاجمة الحتوف، وأسرعت المصاف الابتضاء، فلم يدر العدو أهم أم الذي في أيديهم السيوف، فحل بهم الذل ونزل، وخافوا فتكات تلك السيوف التي تسبق العذل، وثبت من لم يجد وراءه مجالاً، وهو يقول: مكره أخوك لا تبطل. فلجأوا إلى الأمان، وتمسك ذل كفرهم بعد الإيمان، تشبثوا بساحل العفو حين ظنوا أنهم أحيط بهم، وجاءهم الموج من كل مكان، فسألوا أن يكون العفو مولانا السلطان من بعض الصنائع، وتضرعوا في أن يجعل أرواحهم لسيوفه من جملة الودائع، فتصدق عليهم بنفوسهم كرماً، وظلوا على معنى الخير المأثور يرون الموت يقظة، والحياة حلماً، وأطلقتهم اليد التي لا يخيب لديها الأمل، وأعتقتهم اليمنى التي فجاج الأرض قبضتها، فمتى يشاء تجمع عليهم الأنامل، وخرجوا بنفوس قد تجردت حتى من الأجسام، ومقل طلقت الكرى خوفاً من سيوفه التي تسلها عليهم الأحلام، وسطرت والنضر قد يتسنم أعلاها، وشعر الإيمان قد جردها من وحشة لباس الكفر وأعرارها، والأعلام المتصورة قد سلكت إلى ذلك الترقب أعلى ترقي، والسعادة قد بدلت بيعه مساجد، ومحاريبه قبلة، وكانت شرفاً فأصبح يرفل في حلل الإيمان، وأذعن بالطاعة، فأجرس جرس الحرس به صوت الأذان، وعاد سهماً مسدداً في كنانة الإسلام، ودراً منضداً في عقد المملكة فحسن به فتم النظام، لا يسلك البحر طاغ إلا ويقذفه الموج إليه، لا يختلس أكبر باغ إلا " و " توقعه ضيق مسالكه في يديه، فهو أحسن من إرم، وأوضح من علم، وأنكى في الإصابة على البعد من السهم الذي أصاب وراميه بذي سلم، فيأخذ مولانا حظه من هذا النصر الذي هو إليه وأن بعد منسوب، والفتح الذي عددت الفتوح على كثرتها فهو بجميعها محسوب ". بالعنق، ونهضت إليهم مسندة من عزمات سلطانها، مستعدة لانتزاح أرواح العدى على يدها من أوطانها، فانقطعت بهم الظنون. ودارت عليهم رحى المنون. وأمطرت عليهم المجانيق أحجارها، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعلمون، لمن بها من اللهب تلك الأحجار، فهدمت العمائر والأعمار، وأجرت في نواحيها أنهار الدماء، فهلكوا بالسيف والسيل والنار. ولما ركب مولانا السلطان خلد الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015