الظنون. وتمحضت لهم المنون. وثبنا لهم وثبة الليث المغضب. وأوردناهم بأسيافنا " ماء " لا ينزح قليبه ولا ينضب. وما وردنا حتى قامت جيوش الجو على ساق، وجاءت بعوث الغمائم من الآفاق. ورشقت سهام السحائب. وتغلغت ريح الصبا والحبائب. وجفت الرعود بجنودها. وجردت البروق بيضها من غمودها. والقطر يرسل الحجارة إلا أنها من برد البحر إذا مرت به الريح صار كأنه درع موصونة الزرد، فنزلناها ونازلناها. وأمطنا حجب المهابة وأزلناها، وأحدقنا بها إحداق السوار وأحطنا بها. كما يحيط باليد السوار، وكانوا يغترون بمنعهم، ويعتزون بما يحرى من سيل قلعتهم، ويعتقدون أن المعتصم بمكانهم واثق بأن يمس السماء بكفه، ويرى النجم دونه إذا لمحه بطرفه، فلم تزل تعاديهم الفتك وتراوحهم، وتماشيهم الحرب وتصاحيهم، وترسل إليهم رسل المنايا، وتوقر سهامهم إلا أنها من الحبايا، ونرميهم بعذاب واصب، ونكلهم إلى هم ناصب، والمنجنيقات تفوق إليهم سهامها قسيها وتخيل لهم أنها تسعى إليهم حبالها وعصيها، وهي الحصون من ألد الخصوم، وإذا أمت معصماً، حكم أنه ليس بإمام معصوم، ومتى افترى خلق في آلات الفتوح لم يكن أحد من الممترين، وإذا نزلت بساحة قوم فساء صباح المنذرين، تدعي إلى الوغى، فتكلم، وما أقيمت صلاة حرب عند حصن إلا كان ذلك الحصن من يسجد لها، ويسلم
إلى أن أقوت ربوعهم، وصبت على مثل جمر الغضا ضلوعهم. وأخذناهم أخذاَ وبيلاً، وأوردناهم مهاوي المهالك، وساءت سبيلاً، وخسرت صفقة غدوهم وتراوحهم وتحللت أعقد أجسامهم من أرواحهم، ووجدوا من أنفسهم حداً كليلاً، وجداً عثورا، وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً، وملكناها بالأمان وهو في المعنى بالسيف، وهجمناها هجوم الطيف، وكانت هي الني قد بقيت للأسبتار رحلة شتائهم وصيفهم، فلم يبق لهم رحلة شتاء ولا صيف، وسطرنا هذه البشرى والحرب قد وضعت أوزارها، والنفوس قد قضت منهم أوطارها، والبلاء قد دهم بلادهم وأقطارها، والعلم يبني على العلم، والسيف يملي على القلم، والثغر قد جدد على أيدينا إسلامه، وأبدلنا بعد قطوبه ابتسامه، والدهر لمن عادانا عادى، ولمن ولانا والى، وسيوفنا قد أصبحت مفاتح المعاقل، فإذا ملكناها عادت لها أقفالاً، والبشائر مخترقة الأمصار، والعساكر التي هجرت أوطانها، ونصرة الله قد كتبت من المهاجرين والأنصار ". إلى أن أقوت ربوعهم، وصبت على مثل جمر الغضا ضلوعهم.