باستيلائنا على كل ثغر واستباحته. وأسمعه من أنبائنا الجميلة ما يعجز عن التعبير عنه لسان القلم على فصاحته. ولا زال مهنأ بأيامنا التي تؤرخ بالفتوح. وتنجد في مواقف الحرب بالملائكة والروح. وتختص بالمدح دون كل ممدوح. وترى ما يطوى بجيوشنا من الأرض، ولا يبعد عليها مكان به طروح. قد علم المجلس حركتنا إلى الشام، وإنا أنشأناها عجالاً، وجئنا بها على البديهة، فلو كانت قصيدة لأنشدناها ارتجالاً. وكانت مباديها توجد بأطراف الأنامل. ومناديها يعود بحينة الأمل. ومهامها متلقاة بالهمم القاصرة، وعزائمنا فيها كلها توقدت جمراتها، صادفت نيات إن لم تكن باردة فهي قارة، وإذا مر ذكرها بمن له غرض أو في قلبه مرض ظن الظنون. وخيل له أن أمرها لا يتم، وسرعتها لا تكون. ونحن نوسع للجهال حلماً. ونزداد بعواقب التدبير علماً. وكان الباعث عليها أمور مهمة. ومرأى تستفرغ قوى الأفكار المستجمة. وكل وقت نصعد النظر ونصوبه. ونتصفح وجه الرأي ونقلبه. ونرتاد جهات القصد التي كان منها منشأ المفاسد. وبها لشياطين النفاق نفاق، وكل سوق كاسد. فلما أخذت الأناة مآخذها ونفدت الآراء منها منافذها. وتمحضت زبدة الحلب. وأسفر وجه الطلب، ولم يبقى إلا أن تزم الركائب وترى الكتائب وتشرع الاسنة وتبدو ضمائر النفوس المستكنة، أخلصنا النية لله عز وجل في نصرة الإسلام. وتقاضينا ديونه على الأنام. وجعلنا منهم مقدماً على ما عداه. وصممنا على جهاد من نازعه رداء ملكه وعاداه.