الجوع بسفح قاسيون، وكان فاضلاً ديّناً حلو النادرة حسن المحاضرة، على ذهنه من الأشعار والحكايات والوقائع شيء كثير، وله يد في نظم وليس بذلك، وكان كبير النفس عالي الهمة كثير الكرم يتجمل فيما يصنعه لمعارفه وأصحابه من المآكيل ولعله يدعو النفر الواحد والنفرين، ويحضر من الأطعمة الفاخرة ما يكفي جماعة كثيرة، وكان في غالب أوقاته يمتنع من أكل طعام غيره وقبول هدية فلمته على ذلك؛ فقال: أشتهي أن أكون حراً لا يسترقني أحد بإحسانه. وكان في زمن أولاد شيخ الشيوخ رحمهم الله، قد تعرف بهم وصار له قرب منهم وحرمة وافرة بسببهم وعمّر في آخر عمره مسجداً عند طواحين الأشنان ظاهر دمشق وغرم عليه جملة كثيرة وتأنق في عمارته، وكان يدعو معارفه إليه ويبالغ في الاحتفال على عادته في سعة صدره وعلو همته، وسمع الكثير وكتب بخطه ما لا يحصى وحدّث رحمه الله تعالى؛ ومن نظمه يتغزل ويصف دمشق:
ما كنت أول مستهام مدنف ... كلف بممشوق القوام مهفهف
يردي لواحظه بكل مهند ... ماض وعطفاه بكل مثقف
مستعذب الألفاظ يفعل طرفه ... في قلب من يهواه فعل المشرف
شمس الضحى كسفت بنور جبينه ... خجلاً ولولا حسنه لم تكف