وخارقةٌ للعادات، ما كانت لتكون لولا قَدَرُ الله تعالى بتأييد هذا الدين!

ومن أجلّ علوم السنة وأعظمها خطرًا: علمُ الجرح والتعديل، ومعرفةُ مَن تُقبل روايته أو تُرَدُّ؛ حيث إنه العلم الذي به تم تمحيص النّقل، وعليه بُني نَقْدُ الأخبار، ومن أحكامه شعَّ نورُ السُّنةِ في صدور علماءِ السُّنةِ فميّزوا به السنّةَ من غيرها.

وقد بذل أئمةُ الحديثِ ونقّادُه في علم الجرح والتعديل قُصارى جهدهم، ونقّبوا عن أخبار الرواة، وبحثوا عن أحوالهم، وأرّخوا لهم، بما لا يُعرف بعضُه (ولا بعضُ بعضِه) لأمّةٍ من الأمم. فصنّفوا في ذلك كتب تراجم الرواة وتواريخهم، وأبدعوا في تنويع التصنيف، وأتقنوا ذلك الإبداع؛ حتى خرجت تلك الجهودُ وعليها نفحةُ التوفيق الإلهي، وتدل على التأييد الربّاني لأولئك العلماء.

يقول الإِمام الذهبي (ت 748 هـ) في مقدّمة كتابه ميزان الاعتدال في نقد الرجال (1/ 1 - 2): "وقد ألّف الحفاظُ مصنّفاتٍ جمةً في "الجرح والتعديل" ما بين اختصار وتطويل. فأوّل من جُمع كلامه في ذلك الإمامُ الذي قال في أحمد بن حنبل: ما رأيتُ بعينيَّ مثل يحيى بن سعيد القطان؛ وتكلم في ذلك بعده تلامذته: يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعَمرو بن علي الفلاس، وأبو خيثمة؛ وتلامذتُهم: كأبي زرعة، وأبي حاتم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015