الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشفف بالمحبة، والإِنابة والاستغفار، والافتقار إِلَى الَلَّه، والانكسار لَهُ، والإطراح بَيْنَ يديه عَلَى عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله فِي ذَلِكَ، ولا رأيت أوسع منه علما، ولا أعرف بمعاني الْقُرْآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هُوَ المعصوم، ولكن لَمْ أرَ فِي معناه مثله. وقد امتحن وأوفي مرات، وحبس مَعَ الشيخ تقي الدين فِي المرة الأخيرة بالقلعة، منفردا عَنْهُ، وَلَمْ يفرج عَنْهُ إلا بَعْد موت الشيخ.
وَكَانَ فِي مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القراَن بالتدبر والتفكر، ففتح عَلَيْهِ من ذَلِكَ خير كثير، وحصل لَهُ جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلط بسبب ذَلِكَ عَلَى الْكَلام فِي علوم أهل المعارف، والدخول فِي غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بِذَلِكَ، وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة. وَكَانَ أهل مَكَّة يذكرون عَنْهُ من شدة العبادة، وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه. ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة، وسمعت عَلَيْهِ " قصيدته النونية الطويلة " فِي السنة، وأشياء من تصانيفه، وغيرها.
وأخذ عَنْهُ العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أَن مَات، وانتفعوا