سد أذنيه منها: مشترك الدلالة، لأنه لَمْ ينهِ ابْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عَن سماعها " وأعجب من استدلال الفقيه الموفق لِذَلِكَ. قَوْله: " ولا يجب عَلَيْهِ سد أذنيه لغيرها من الملاهي " فيشعر ذَلِكَ بجواز سماع الملاهي. ثُمَّ قَدْ بالغ فِي تحريم ذَلِكَ، وضم فاعله إِلَى حكم الكفر بالله تَعَالَى، وأوهم بِمَا ذكر من الآيات: أَن هَذَا السماع يُخرج عَنِ الإِسْلام، وَهَذَا من الغلو، فكان غلوه فِي الجواب أشد خطرا من غلو المذكورين فِي السؤال، وَأَمَّا اجتماع الرجال والنساء فِي مجلس: فلم يذكر مْي السؤال. وَهُوَ محرم إِذَا كَانَ فِي غَيْر معروف، فَإِن كَانَ فِي صلاة جمعة أَوْ جَمَاعَة، أَوْ سماع موعظة، أَوِ التقاء فِي مجلس حكم: فذلك غَيْر منكر، وَهُوَ العادة الجارية فِي المواسم عِنْدَ هَذَا الفقيه المفتي وجماعته، ومجالس التذكير فِي سائر بلاد الإسلام ".
فلما عاد جوابه إِلَى الشيخ الموفق: كتب فِي ظهرها بخطه مَا مضمونه " كنت أتخيل
فِي الناصح: أَن يَكُون إماما بارعا، وأفرح بِهِ للمذهب؛ لما فضله اللَّه به من شردْ بيته، وإعراق نسبه فِي الإِمامة، وَمَا آتاه اللَّه تَعَالَى من بسط اللسان، وجراءة الجنان، وحدة الخاطر، وسرعة الجواب، وكثر الصواب. وظننت أَنَّهُ يَكُون فِي الفتوى مبرزا عَلَى أَبِيهِ وغيره، إِلَى أَن رأيت لَهُ فتاوى غيره فِيهَا أسد جوابا، وأكثر صوابا. وظننت أَنَّهُ ابتلي بِذَلِكَ لمحبته تخطئة النَّاس، واتباعه عيوبهم. ولا يبعد أَن يعاقب اللَّه العبد بجنس ذنبه - إِلَى أَن قَالَ: والناصح قَدْ شغل كثيرا من زمانه بالرد عَلَى النَّاس فِي تصانيفهم وكشف مَا استتر من خطاياهم ومحبة بيان سقطاتهم. ولا يبلغ