فيها وما ينشأ عن عدم فهم المراد لكونه لم يزاحم الفضلاء في دروسهم ولا جلس بينهم في مسائهم وتعريسهم بل استبد بالأخذ من بطون الدفاتر والكتب، وأخذ من كتب المحمودية وغيرها كثيرًا من التصانيف القديمة التي لا عهد لكثير من العصريين بها في فنون فغير فيها شيئًا يسيرًا وقدم وأخر ونسبها لنفسه وهوّل في مقدماتها. اهـ. ولي مشيخة الحديث مشيخة البيبرسية بعد الجلال البكري إلى أن صرفه عنها السلطان الملك العادل طومانباي الأول يوم الاثنين ثاني عشر من رجب سنة ست وتسعمائة حيث تحزب عليه جمع من مشايخ المدرسة بسبب يبسه معهم ومعاندته لهم بحيث أخرج وظائف كثيرة عنهم وقرر فيها غيرهم وحصل له إهانات من ترسيم وإساءات وأمر بنفي وكانت حكايات كما يقول صاحب "البدر الطالع" فيما علقه على الضوء اللامع بخطه ثم انقطع بسكنه في الروضة وتزهد وكان يأتي إليه أعيان الأمراء للزيارة فلا يقوم لهم وعرضت عليه مشيخة البيبرسية سنة 909 فامتنع من قبولها واستمر على انقطاعه، وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النفيسة فيردها، وأهدى إليه السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري خصيًّا وألف دينار فرد الألف وأخذ الخصيّ فأعتقه وجعله خادمًا في الحجرة النبوية وقال لقاصد السلطان لا تعد تأتينا بهدية قط فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك وطلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه على ما ذكره النجم الغزي في الكواكب السائرة وابن العماد في شذرات الذهب. ومن شعره:
فوض أحاديث الصّفا ... ت ولا تشبّه أو تعطل
إن رمت إلا الخوض في ... تحقيق معضلة فأول
إن المفوض سالم ... مما تكلفه المؤول
ألف في تحريم المنطق وادعى الاجتهاد فصنف في ذلك عدة رسائل فقام العلماء ضده حتى انقبع في عقر داره، ويحكي الشعراني في ذيل طبقاته عن السيوطي أنه كان يقول: قد أشاع الناس عني أني ادعيت الاجتهاد المطلق كأحد الأئمة الأربعة وذلك باطل عني إنما مرادي بذلك المجتهد المنتسب.. ولما بلغت مرتبة الترجيح لم أخرج في الإفتاء عن ترجيح النووي.. ولما بلغت إلى مرتبة الاجتهاد المطلق لم أخرج في الإفتاء عن مذهب الشافعي. اهـ. وغريب جدًّا ما يرويه الداودي والشعراني عنه أنه كان يحفظ مائتي ألف حديث إن لم يكن مراده أنه يحفظها في خزانته لأن شيخ حفاظ الأمة أبا عبد الله البخاري لما سئل عن أحاديث جامعة: هل تحفظها؟ أجاب بقوله: أرجو أن لا يخفى علي منها شيء. ولم يدّع مثل هذه الدعوى.