وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة ومن منافعها - أي الجبال - ما ذكره الله تعالى في كتابه أن جعلها للأرض أوتادا تثبتها ورواسي بمنزلة مراسي السفن. وأعظم بها من منفعة وحكمة. انتهى.
وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لما خلق الله الأرض جعلت تميد, فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت».
وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن الجبال لتفخر على الأرض بأنها أثبتت بها).
وإنما أعرض الطنطاوي عن هذه الآية التي ذكرنا؛ لأنها لا تحمل التأويل. فلو قال هو أو غيره إن الأرض تشبه السفينة إذا وضع فيها ما يثقلها وربطت بالأوتاد, وهي مع ذلك تسير في الماء لكان كل عاقل يضحك منه؛ لأنه قد رام الجمع بين النقيضين والجمع بينهما غير ممكن.
وكما أنه لا يقول عاقل أن السفينة وهي مربوطة بالأوتاد فكذلك لا يقول عاقل إن الأرض تسير وهي موتدة بالجبال لأن تثبيتها بالجبال ينافي سيرها, فلا يجتمعان.
الوجه الثالث: أن الله تعالى قال في سورة المؤمنين: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} الآية. وقال تعالى في سورة النمل: {مَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} الآية.
وفي هاتين الآيتين أوضح دليل على ثبات الأرض واستقرارها. قال في القاموس وشرحه: قر بالمكان يقر بالكسر والفتح قرارا وقرورا وقرا وتقرة