فيصدر المدعو من هذه المأدبة وقد أشبعه وأرواه وَخَلَعَ عليه بخلَع القبول وأغناه؛ لأن القلب كان قبل قد ناله من القحط والجدب والجوع والظمأ والعُري والسقم ما ناله، فأصدره من عنده وقد أغناه عن الطعام والشراب واللباس والتحف ما يغنيه.
ولما كانت الجدوب متتابعة، وقحط النفوس متواليًا، جدد له الدعوة إلى هذه المأدبة وقتًا بعد وقت رحمة منه به، فلا يزال مستسقيًا مَنْ بيده غيث القلوب وسقيها مستمطرًا سحائب رحمته؛ لئلا ييبس ما أنبتته له تلك من كلأ الإيمان وعشبه وثماره، ولئلا تنقطع مادة النبات والقلب في استسقاء واستمطار، هكذا دائمًا يشكو إلى ربه جدبه وقحطه وضرورته إلى سقيا رحمته، وغيث بره فهذا دأب العبد أيام حياته.