لا ريب أن الصلاة قرة عيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، ومحك أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمته المهداة إلى عبيده هداهم إليها وعرفهم بها رحمة بهم وإكرامًا لهم؛ لينالوا بها شرف كرامته، والفوز بقربه، لا حاجة منه إليهم، بل منه منًا وفضلاً منه عليهم، وتعبد بها القلب والجوارح جميعًا، وجعل حظ القلب منها أكمل الحظين وأعظمهما وهو إقباله على ربه سبحانه وفرحه وتلذذه بقربه وتنعمه بحبه وابتهاجه بالقيام بين يديه وانصرافه حال القيام بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده، وتكميل حقوق عبوديته حتى تقع على الوجه الذي يرضاه.
ولما امتحن سبحانه عبده بالشهوات وأسبابها من داخل فيه وخارج عنه، اقتضت تمام رحمته به وإحسانه إليه أن هيَّأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان والتحف والخِلَع والعطايا، ودعاه إليه كل يوم خمس مرات، وجعل كل لون من ألوان تلك المأدبة لذة ومنفعة ومصلحة لهذا العبد الذي قد دعاه إلى المأدبة ليست في اللون الآخر؛ لتكمل لذة عبده في كل لون من ألوان العبودية، ويكرمه بكل صنف من أصناف الكرامة، ويكون كل فعل من أفعال تلك العبودية مكفرًا لمذموم كان يكرهه بإزائه, وليثبه عليه نورًا خاصًا وقوة في قلبه وجوارحه وثوابًا خاصًا يوم لقائه.