ثم يرفع رأسه عائدًا إلى أكمل حديثه، وجعل شعار هذا الركن حمدًا لله والثناء عليه وتحميده، فافتتح هذا الشعار بقول المصلي: «سمع الله لمن حمده» أي سَمعَ سَمْعَ قبول وإجابة، ثم شفع بقوله: «ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء» ولا يهمل أمر هذه الواو في قوله: «ربنا ولك الحمد» فإنه قد ندب الأمر بها في الصحيحين وهي تجعل الكلام في تقدير جملتين قائمتين بأنفسهما فإن قوله: «ربنا» متضمن في المعنى أنت الرب والملك القيوم الذي بيديه أَزِمَّةُ الأمور، وإليه مرجعها فعطفها على هذا المعنى المفهوم من قوله: «ربنا» على قوله: «ولك الحمد» فتضمن ذلك معنى قول الموحد له الملك وله الحمد.
ثم أخبر عن شأن هذا الحمد وعظمته قدرًا وصفه، فقال: «ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» أي: قدر ملء العالم العلوي والسفلي والقضاء الذي بينهما فهذا الحمد قد ملأ الخلق الموجود وهو يملأ ما يخلقه الرب تبارك وتعالى بعد ذلك وما يشاؤه فحمده قد ملأ كل موجود وملأ ما سيوجد فهذا أحسن التقديرين وقيل ما شئت من شيء وراء العالم فيكون قوله: «بعد للزمان على الأول والمكان على الثاني ثم أتبع ذلك بقوله: «أهل الثناء والمجد»» فعاد الأمر بعد الركعة إلى ما افتتح به الصلاة قبل الركعة من الحمد والثناء والمجد ثم أتبع ذلك بقوله: «أحق ما قال العبد» تقريرًا لحمده وتمجيده والثناء عليه، وأن ذلك أحق ما نطق به العبد، ثم أتبع ذلك بالاعتراف بالعبودية وأن ذلك حكم عام لجميع العبيد ثم عقب ذلك بقوله: «لا مانع لما أعطيت ولا