لذاته، وإن لم يحمده العباد، كما أنه هو الواحد الأحد ولو لم يوحده العباد، والإله الحق وإن لم يؤلهوه، وهو سبحانه الذي حمد نفسه على لسان القائل: الحمد لله رب العالمين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده» (?).
فهو الحامد لنفسه في الحقيقة على لسان عبده، فإنه الذي أجرى الحمد على لسانه وقلبه وإجراؤه بحمده.
فله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فهذه المعرفة من عبودية الحمد.
ومن عبوديته أيضًا أن يعلم أن حمده لربه سبحانه نعمة منه عليه، يستحق عليها الحمد فإذا حمده على هذه النعمة استوجب عليه حمدًا آخر على نعمة حمده وهلم جرا.
فالعبد ولو استنفد أنفاسه كلها في حمده على نعمة من نعمه كان ما يجب له من الحمد ويستحق فوق ذلك وأضعاف، ولا يُحصي أحد البتة ثناء عليه بمحامده.
ومن عبودية العبد شهود العبد لعجزه عن الحمد وأن ما قام به منه، فالرب سبحانه هو المحمود عليه إذ هو مجريه على لسانه وقلبه.
ومن عبوديته تسليط الحمد على تفاصيل أحوال العبد كلها ظاهرة وباطنة على ما يحب العبد وما يكرهه، فهو سبحانه المحمود على ذلك كله في الحقيقة وإن غاب عن شهود العبد.