ومن ذاق طعم الصلاة علم أنه لا يقوم غير التكبير والفاتحة مقامهما، كما لا يقوم غير القيام والركوع والسجود مقامها، فلكل عبودية من عبودية الصلاة سر وتأثير وعبودية لا تحصل من غيرها، ثم لكل آية من آيات الفاتحة عبودية وذوق ووجد يخصها.
فعند قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} تجد تحت هذه الكلمة إثبات كل كمال للرب تعالى فعلاً ووصفًا واسمًا, وتنزيهه عن كل سوء وعيب فعلاً ووصفًا واسمًا, فهو محمود في أفعاله وأوصافه وأسمائه, منزه عن العيوب والنقائص في أفعاله وأوصافه وأسمائه، فأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل لا تخرج عن ذلك، وأوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت جلال، وأسماؤه كلها حسنى، وحمده قد ملأ الدنيا والآخرة والسماوات والأرض وما بينهما وما فيهما فالكون كله ناطق بحمده، والخلق والأمر صادر عن حمده وقائم بحمده ووجد بحمده؛ فحمده هو سبب وجود كل موجود، وهو غاية كل موجود، وكل موجود شاهد بحمده، وإرساله رسوله بحمده، وإنزاله كتبه بحمده، والجنة عمرت بأهلها بحمده، والنار عمرت بأهلها بحمده، وما أطيع إلا بحمده وما عُصي إلا بحمده، ولا تسقط ورقة إلا بحمده، ولا يحرك في الكون ذرة إلا بحمده، وهو المحمود