ثُمَّ مَرَرْتُ بِهِ بَعْدَ أَيَّامٍ وَهُوَ يَبْكِي وَيَتَمَرَّغُ فِي التُّرَابِ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ يَا عَمِّ إِنِّي مَيِّتٌ اللَّيْلَةَ فَقُلْتُ اللَّهُ يَشْفِيكَ فَقُبِضَ فِي لَيْلَتِهِ
وَقَالَ إِسْحَاقُ الرَّافِقِيُّ كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ بِالرَّافِقَةِ مَعَ عِدَّةٍ مِنَ الظُّرَفَاءِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفِتْيَانِ وَمَعَنَا فَتًى كَأَهْيَأَ مَا رَأَيْتُ مِنَ الْفِتْيَانِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ ذِلَّةِ الْهَوَى يُدِيمُ الأَنِينَ وَالْبُكَاءَ فَغَنَّتْ إِحْدَاهُنَّ
إِنِّي لأَبْغَضُ كُلَّ مُصْطَبِرٍ ... عَنْ إِلْفِهِ فِي الْوَصْلِ وَالْهَجْرِ
الصَّبْرُ يُحْسَنُ فِي مَوَاطِنِهِ ... مَا لِلْفَتَى الْمُحْزُونِ وَالصَّبْرِ
قَالَ فَنَظَرَ الْفَتَى إِلَيْهَا وَتَبَادَرَتْ عَبَرَاتُهُ ثُمَّ وَثَبَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأَسْهِ وَقَالَ
غَدًا يَكْثُرُ الْبَاكُونَ مِنَّا وَمِنْكُمْ ... وَتَزْدَادُ دَارِي مِنْ دِيَارِكُمْ بُعْدَا
ثُمَّ رَمَى بِنَفْسِهِ فَسَقَطَ مُجَدَّلا مِنْ قَامَتِهِ فَحَمَلْنَاهُ مَيِّتًا