ذم الهوي (صفحة 563)

قَالَ وَرَجَعَ هَارِبًا فَاتَّبَعْتُهُ وَأَخَذْتُ بِرِدَائِهِ فَتَمَادَى وَتَمَزَّقَ الرِّدَاءُ وَبَقِيَتْ قِطْعَةٌ مِنْهُ فِي يَدِي لِشِدَّةِ إِمْسَاكِي لَهُ وَمَضَى وَلَمْ أَدْرِكْهُ

فَرَجَعْتُ وَدَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ كُلَيْبٍ قَالَ وَقَدْ كَانَ غُلامُهُ دَخَلَ عَلَيْهِ إِذْ رَآنَا مِنْ أَوَّلِ الزِّقَاقِ مُبَشِّرًا قَالَ فَلَمَّا رَآنِي تَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ وَأَيْنَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالْقِصَّةِ فَاسْتَحَالَ مِنْ وَقْتِهِ وَاخْتَلَطَ وَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ لَا يُعْقَلُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنَ الاسْتِرْجَاعِ فَاسْتَبْشَعْتُ الْحَالَ وَجَعَلْتُ أَتَوَجَّعُ وَقُمْتُ قَالَ فَثَابَ إِلَيْهِ ذِهْنُهُ وَقَالَ لِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اسْمَعْ مِنِّي وَاحْفَظْ عَنِّي ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ

أَسْلَمُ يَا رَاحَةَ الْعَلِيلِ ... رِفْقًا عَلَى الْهَائِمِ النَّحِيلِ

وَصْلُكَ أَشْهَى إِلَى فُؤَادِي ... مِنْ رَحْمَةِ الْخَالِقِ الْجَلِيلِ

قَالَ فَقُلْتُ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ مَا هَذِهِ الْعَظِيمَةُ فَقَالَ قَدْ كَانَ

قَالَ فَخَرَجَتْ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا تَوَسَّطْتُ الزِّقَاقَ حَتَّى سَمِعْتُ الصُّرَاخَ عَلَيْهِ وَقَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا

قَالَ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ لَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذِهِ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَنَا وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثِقَةٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَطَّابٍ ثِقَةٌ وَأَسْلَمُ هَذَا مِنْ بَنِي خَالِدٍ وَكَانَتْ فِيهِمْ وَزَارَةٌ وَحِجَابَةٌ وَهُوَ صَاحِبُ الدِّيوَانِ الْمَشْهُورِ فِي غِنَاءِ زِرْيَابٍ وَأَبُوهُ الآنَ فِي الْحَيَاةِ يُكَنَّى أَبَا الْجَعْدِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْخَوْلانِيِّ الْكَاتِبِ فَعَرَفَهَا وَقَالَ لِي لَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ رَأَى أَسْلَمَ هَذَا فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْمَطَرِ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَمْشِي فِي طَرِيقٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى قَبْرِ أَحْمَدَ بْنِ كُلَيْبٍ الْمَذْكُورِ زَائِرًا لَهُ قَدْ تَحَيَّنَ غَفْلَةَ النَّاسِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ

قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ التُّجِيبِيُّ لأَحْمَدَ بْنِ كُلَيْبٍ وَقَدْ أَهْدَى إِلَى أَسْلَمَ كِتَابَ الْفَصِيحِ لِثَعْلَبٍ

هَذَا كِتَابُ الْفَصِيحِ ... بِكُلِّ لَفْظٍ مَلِيحِ

وَهَبْتُهُ لَكَ طَوْعًا ... كَمَا وَهَبْتُكَ رُوحِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015