فَاسْتَنْقِذْ نَفْسَكَ يَا أَخِي مِنْ مُهْلِكَاتِ الذُّنُوبِ وَلَسْتُ مُؤَيِّسَتُكَ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ رَآكَ مُتَبَتِّلا إِلَيْهِ أَنْ يَمُنَّ بِي عَلَيْكَ وَلْيَكُنْ مَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ نُصْبَ عَيْنَيْكَ وَلَا ترادني فِي المسئلة فَلا أُجِيبُكَ وَالسَّلامُ
فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَقَالَتِهَا فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا فَقَالَتِ الْعَجُوزُ وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَدْرِهَا مِثْلَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَاعْمَلْ بِمَا أَمَرَتْكَ بِهِ فقد وَالله بالغت فِي النصحية فَلا تُلْقِ نَفْسَكَ لِمُهْلِكَاتِ الأُمُورِ فَتَنْدَمَ حَيْثُ لَا تُغْنِي النَّدَامَةُ وَلَوْ عَلِمْتَ يَا بُنَيَّ أَنَّ حِيلَةً تَنْفُذُ لاحْتَلْتُهَا وَلَكِنِّي رَأَيْتُهَا قَدْ جَعَلَتِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نُصْبَ عَيْنَيْهَا وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لُهِيَ عَنْ زِينَةِ الدُّنْيَا فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ كَيْفَ لِي بِالْبُلُوغِ إِلَى مَا دَعَتْ إِلَيْهِ وَمَتَى تَكُونُ آخِرُ الْمُدَّةِ الَّتِي نَلْتَقِي فِيهَا
وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ أَنَّهُ لَا يَقَرُّهُ قَرَارٌ حَبَسُوهُ فِي بَيْتٍ وَتَوَهَّمُوا أَنَّ الَّذِي بِهِ مِنْ عِشْقٍ
فَكَانَ رَبُّمَا أَفْلَتَ فَيَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَتَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الصِّبْيَانُ فَيَقُولُونَ مُتْ عِشْقًا مُتْ عِشْقًا فَكَانَ يَقُولُ
أَأُفْشِي إِلَيْكُمْ بَعْضَ مَا قَدْ يهجيني ... أَمِ الصَّبْرُ أَوْلَى بِالْفَتَى عِنْدَمَا يَلْقَى
سَلامٌ عَلَى مَنْ لَا أُسَمِّي بِاسْمِهِ ... وَلَوْ صِرْتُ مِثْلَ الطَّيْرِ فِي غَيْضَةٍ مُلْقَى
أَلا أَيُّهَا الصِّبْيَانُ لَوْ ذُقْتُمُ الْهَوَى ... لأَيْقَنْتُمْ أَنِّي مُحَدِّثُكُمْ حَقَّا
أُحِبُّكُمْ مِنْ حُبِّهَا وَأَرَاكُمْ ... تَقُولُونَ لِي مُتْ يَا شُجَاعُ بِهَا عِشْقَا
فَلَمْ تَنْصِفُونِي لَا وَلا هِيَ أَنْصَفَتْ ... فَرِفْقًا رُوَيْدًا وَيْحَكُمْ بِالْفَتَى رِفْقَا
فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِهِ وَعَلِمُوا أَنَّهُ عَاشِقٌ جَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَكَانَ لَا يُجِيبُهُمْ وَكَتَمَتِ الْعَجُوزُ قِصَّتَهُ فَأَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ فِي بَيْتٍ فَلَمْ يَزَلْ فِيهِ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ