ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ فَوَقَفَتْ لَهُ عَلَى طَرِيقِهِ فَلَمَّا رَآهَا مِنْ بَعِيدٍ أَرَادَ الرُّجُوعَ إِلَى مَنْزِلِهِ لِئَلا يَرَاهَا
فَقَالَتْ يَا فَتَى لَا تَرْجِعْ فَلا كَانَ الْمُلْتَقَى بَعْدَ هَذَا أَبَدًا إِلا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَبَكَتْ بُكَاءً كَثِيرًا ثُمَّ قَالَتْ أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي بِيَدِهِ مَفَاتِيحُ قَلْبِكَ أَنْ يُسَهِّلَ مَا قَدْ عُسِّرَ مِنْ أَمْرِكَ ثُمَّ تَبِعَتْهُ فَقَالَتِ امْنُنْ عَلَيَّ بِمَوْعِظَةٍ أَحْمِلُهَا عَنْكَ وَأَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ أَعْمَلُ عَلَيْهَا
فَقَالَ لَهَا الْفَتَى أُوصِيكِ بِحِفْظِ نَفْسِكِ مِنْ نَفْسِكِ وَأُذَكِّرُكِ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جرحتم بِالنَّهَارِ}
قَالَ فَأَطْرَقَتْ وَبَكَتْ بُكَاءً أَشَدَّ مِنْ بُكَائِهَا الأَوَّلِ ثُمَّ أَفَاقَتْ ثُمَّ لَزِمَتْ بَيْتَهَا وَأَخَذَتْ فِي الْعِبَادَةِ
قَالَ فَكَانَتْ إِذَا جَهِدَ بِهَا الأَمْرُ تَدْعُو بِكِتَابِهِ فَتَضَعُهُ عَلَى عَيْنَيْهَا فَيُقَالُ لَهَا وَهَلْ يُغْنِي هَذَا شَيْئًا فَتَقُولُ وَهَلْ لِي دَوَاءٌ غَيْرُهُ
وَكَانَ إِذَا جَنَّ عَلَيْهَا اللَّيْلُ قَامَتْ إِلَى مِحْرَابِهَا فَلَمْ تَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ كَمَدًا
فَكَانَ الْفَتَى يَذْكُرُهَا ثُمَّ يَبْكِي عَلَيْهَا فَيُقَالُ لَهُ مِمَّ بُكَاؤُكَ وَأَنْتَ أَيَّسْتُهَا فَيَقُولُ إِنِّي ذَبَحْتُ طَمَعِي مِنْهَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَجَعَلْتُ قَطْعَهَا ذَخِيرَةً لِي عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنِّي لأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ أَنْ أَسْتَرِدَّ ذَخِيرَةً ادَّخَرْتُهَا عِنْدَهُ
قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ قَالَ لَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَزَجِيُّ وَوَجَدْتُ فِي نُسْخَةٍ مَسْمُوعَةٍ