ذم الهوي (صفحة 486)

فَإِذَا هُوَ عَلَى الأَرْضِ فَأَخْطَأْتُهُ وَمَضَيْتُ فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَاتَّبَعَنِي فَقَرَعَ بِالْقَنَاةِ رَأْسِي وَقَالَ يَا عَمْرُو خُذْهَا إِلَيْكَ ثَلاثًا وَلَوْلا أَنِّي أَكْرَهُ قَتْلَ مِثْلِكَ لِقَتَلْتُكَ فَقُلْتُ لَهُ اقْتُلْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا أَرَى بِنَفْسِي وَأَنْ تَسْمَعَ فِتْيَانُ الْعَرَبِ بِهَذَا فَقَالَ لِي يَا عَمْرُو إِنَّمَا الْعَفْوُ ثَلاثٌ وَإِنِّي إِنِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْكَ الرَّابِعَةَ قَتَلْتُكَ وَأَنْشَأَ يَقُولُ

وَكِدْتُ أَغْلاظًا مِنَ الأَيْمَانِ ...

إِنْ عُدْتَ يَا عَمْرُو إِلَى الطِّعَانِ ...

لَتُوجَرَنَّ لَهَبَ السِّنَانِ ...

أَوْلا فَلَسْتُ مِنْ بَنِي شَيْبَانِ ...

فَلَمَّا قَالَ هَذَا كَرِهْتُ الْمَوْتَ وَهِبْتُهُ هَيْبَةً شَدِيدَةً وَقُلْتُ لَهُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً قَالَ وَمَا هِيَ قُلْتُ أَكُونُ لَكَ صَاحِبًا وَرَضِيتُ بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ لَسْتَ مِنْ أَصْحَابِي فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَيَّ وَأَعْظَمَ مِمَّا صَنَعَ فَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى قَالَ وَيْحَكَ وَهَلْ تَدْرِي أَيْنَ أُرِيدُ قُلْتُ لَا قَالَ أُرِيدُ الْمَوْتَ عَيَانًا فَقُلْتُ رَضِيتُ بِالْمَوْتِ مَعَكَ قَالَ امْضِ بِنَا

فَسِرْنَا جَمِيعًا يَوْمَنَا حَتَّى جَنَّنَا اللَّيْلُ وَذَهَبَ شَطْرُهُ قَالَ فَوَرِدْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَقَالَ يَا عَمْرُو فِي هَذَا الْحَيِّ الْمَوْتُ ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى قُبَّةٍ فِي الْحَيِّ فَقَالَ وَفِي تِلْكَ الْقُبَّةِ الْمَوْتُ الأَحْمَرُ فَإِمَّا أَنْ تُمْسِكَ عَلَى فَرَسِي فَآتِيَ بِحَاجَتِي وَإِمَّا أَنْ أمسك عَلَيْك فرسك فتنزل فتأتني بِحَاجَتِي فَقُلْتُ لَا بَلِ انْزِلْ أَنْتَ فَأَنْتَ أَعْرَفُ بِمَوْضِعِ حَاجَتِكَ

فَرَمَى إِلَيَّ بِعَنَانِ الْفَرَسِ فَنَزَلَ وَرَضِيتُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أَكُونَ لَهُ سَائِسًا ثُمَّ مَضَى حَتَّى دَخَلَ الْقُبَّةَ فَاسْتَخْرَجَ جَارِيَةً لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهَا قطّ حسنا وجمالا فحلمها عَلَى نَاقَةٍ ثُمَّ قَالَ لِي يَا عَمْرُو قُلْتُ لَبَّيْكَ قَالَ إِمَّا أَنْ تَحْمِيَنِي وَأَقُودَ أَنَا وَإِمِّا أَنْ أَحْمِيَكَ وَتَقُودَ أَنْتَ قُلْتُ لَا بَلْ تَحْمِينِي أَنْتَ وَأَقُودُ أَنَا

فَرَمَى إِلَيَّ بِزِمَامِ النَّاقَةِ ثُمَّ سِرْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ خَلْفَنَا حَتَّى إِذَا أَصْبَحْنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015