ابْن مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ شَيْخٌ مِنْهُمْ بَلَغَ مِائَةَ وَعِشْرِينَ سَنَةً إِيَّايَ فَسَلُوا عَنْهُ كَانَ حُلْوَ الْعَيْنَيْنِ حَسَنَ الْمَضْحَكِ بَرَّاقَ الثَّنَايَا خَفِيفَ الْعَارِضِينَ إِذَا نَازَعَكَ الْكَلامَ لَا تَسْأَمُ حَدِيثَهُ وَإِذَا أَنْشَدَ بَرْبَرَ وَجَشَّ صَوْتُهُ جَمَعَنِي وَإِيَّاهُ مَرْبَعٌ مَرَّةً فَأَتَانِي فَقَالَ هَيَا عِصْمَةُ إِنَّ مَيًّا مِنْقَرِيَةٌ وَمِنْقَرٌ أَخْبَثُ حَيٍّ أَقْوَفُهُ لأَثَرٍ وَأَثْبَتُهُ فِي نَظَرٍ وَأَعْلَمُهُ بِبَصَرٍ وَقَدْ عَرَفُوا آثَارَ إِبِلِي فَهَلْ مِنْ نَاقَةٍ نَزْدَارُ عَلَيْهَا مَيًّا
قُلْتُ إِي وَاللَّهِ الْجُؤْذَرُ قَالَ فَعَلَيْنَا بِهَا فَجِئْتُ بِهَا فَرَكِبَ وَرَدَفْتُهُ ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى نَهْبِطَ حَيَّ مَيٍّ وَإِذَا الْحَيُّ خُلُوفٌ فَلَمَّا رَآنَا النِّسْوَةُ عَرَفْنَ ذَا الرُّمَّةِ فَتَقَوَّضْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ حَتَّى اجْتَمَعْنَ إِلَى مِيٍّ وَأَنَخْنَا قَرِيبًا وَحَيَّيْنَاهُنَّ فَقَالَتْ ظَرِيفَةٌ مِنْهُنَّ أَنْشِدْنَا ذَا الرُّمَّةِ فَقَالَ لِي أَنْشِدْهُنَّ فَأَنْشَدْتُهُنَّ قَوْلَهُ
وَقَفَتْ عَلَى رَبْعٍ لِمَيَّةَ نَاقَتِي ... فَمَا زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وَأُخَاطِبُهُ
فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِهِ
نَظَرْتُ إِلَى أَظْعَانِ مَيٍّ كَأَنَّهَا ... ذُرَى النَّخْلِ أوأثل تَمِيلُ ذَوَائِبُهْ
فَأَسْبَلَتِ الْعَيْنَانِ وَالْقَلْبُ كاتم ... بمغرورق نمت عَلَيَّ سَوَاكِبُهْ
بَكَى وَامِقٌ جَاءَ الْفُرَاقُ وَلَمْ تُجُلْ ... جَوَائِلَهَا أَسْرَارُهُ وَمَعَاتِبُهْ