وَأَقْبَلَ عُرْوَةُ فِي عِيرِهِ تِلْكَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِتَبُوكٍ نَظَرَ إِلَى رِفْقَةٍ مُقْبِلَةٍ مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ فِيهَا امْرَأَةٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ وَاللَّهِ لَكَأَنَّهَا شَمَائِلُ عَفْرَاءَ فَقَالُوا وَيْحَكَ مَا تَتْرُكُ ذِكْرَ عَفْرَاءَ لِشَيْءٍ
قَالَ وَجَاءَ الْقَوْمُ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَتَبَيَّنَ الأَمْرُ يَبِسَ قَائِمًا لَا يَتَحَرَّكُ وَلا يَحِيرُ كَلامًا وَلا يُرْجِعُ جَوَابًا حَتَّى بَعُدَ الْقَوْمُ فَذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ
وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ رَعْدَةٌ ... لَهَا بَيْنَ جِلْدِي وَالْعِظَامِ دَبِيبُ
فَمَا هُوَ إِلا أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً ... فَأُبْهَتُ حَتَّى مَا أَكَادُ أُجِيبُ
وَقُلْتُ لَعَرَّافِ الْيَمَامَةِ دَاوِنِي ... فَإِنَّكَ إِنْ أَبْرَأْتَنِي لَطَبِيبُ
فَمَا بِي مِنْ حِمَى لَا مَسِّ جِنَّةٍ ... وَلَكِنْ عَمِّي الْحُمَيْرِيَّ كَذُوبُ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعَرَّافُ الْيَمَامَةِ هَذَا الَّذِي ذكره عُرْوَة وَغَيره من الشُّعَرَاء هُوَ ريَاح بن رَاشد ويكنى أَبَا كحيلة عبد لبني يشْكر تزوج مَوْلَاهُ امْرَأَة من بني الْأَعْرَج فساقه فِي مهرهَا ثمَّ ادّعى نسبا فِي بني الْأَعْرَج
ثمَّ إِن عُرْوَة انْصَرف إِلَى أَهله وَأَخذه الْبكاء والهلاس حَتَّى نحل جِسْمه فَلم يبْق مِنْهُ شَيْء فَقَالَ بعض النَّاس هُوَ مسحور وَقَالَ قَوْمٌ بِهِ جِنَّةٌ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هُوَ مَوَسْوَسٌ وَإِنَّ بِالْحَاضِرِ مِنَ الْيَمَامَةِ لَطَبِيبًا لَهُ تَابِعٌ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ أَطَبُّ النَّاسِ فَلَوْ أَتَيْتُمُوهُ فَلَعَلَّ اللَّهَ يُعَافِيَهُ
فَسَارُوا إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِ عذرة حى دَاوَاهُ فَجَعَلَ يَسْقِيهِ وَيُنَشِّرُ عَنْهُ وَهُوَ يَزْدَادُ