قَالَتْ هَلْ سَمِعْتَ بِذِكْرِ فَتًى يُقَالُ لَهُ قَيْسٌ وَيُلَقَّبُ بِالْمَجْنُونِ فَقُلْتُ إِي وَاللَّهِ وَنَزَلْتُ بِأَبِيهِ وَأَتَيْتُهُ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ يَهِيمُ فِي تِلْكَ الْفَيَافِي وَيَكُونُ مَعَ الْوُحُوشِ لَا يَعْقِلُ وَلا يَفْهَمُ إِلا أَنْ تُذْكَرَ لَهُ لَيْلَى فَيَبْكِي وَيُنْشِدُ أَشْعَارًا يَقُولُهَا فِيهَا قَالَ فَرَفَعَتِ السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا فَإِذَا شَقَّةُ قَمَرٍ لَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهَا فَبَكَتْ وَانْتَحَبَتْ حَتَّى ظَنَنْتُ وَاللَّهِ
أَنَّ قَلْبَهَا قَدِ انْصَدَعَ
فَقُلْتُ لَهَا أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ اتَّقِي اللَّهَ فَوَاللَّهِ مَا قُلْتُ بَأْسًا فَمَكَثَتْ طَوِيلا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنَ الْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ ثُمَّ قَالَتْ
أَلا لَيْتَ شِعْرِي وَالْخُطُوبُ كَثِيرَةٌ ... مَتَى رَحْلُ قَيْسٍ مُسْتَقِلٌّ فَرَاجِعُ
بِنَفْسِيَ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِرَحْلِهِ ... وَمَنْ هُوَ إِنْ لَمْ يَحْفَظِ اللَّهَ ضَائِعُ
ثُمَّ بَكَتْ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفَاقَتْ قُلْتُ مَنْ أَنْتِ يَا أَمَةَ اللَّهِ قَالَتْ أَنَا لَيْلَى الْمَشْئُومَةُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُسَاعِدَةِ لَهُ
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ قَالَتْ أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ السَّرَّاجِ قَالَ أَنْبَأَنَا الْجَوْهَرِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ الْخَزَّازُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْعُمَرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ خَرَجَ الْمَجْنُونُ مَعَ قوم فِي سفر فبيناهم يَسِيرُونَ إِذْ تَشَعَبَّتْ لَهُمْ طَرِيقٌ إِلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ لَيْلَى فَقَالَ الْمَجْنُونُ لأَصْحَابِهِ إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَحُطُّوا وَتَرْعَوْا وَتَنْتَظِرُونِي حَتَّى آتِي الْمَاءَ فَأَبَوْا عَلَيْهِ وعذلوه فَقَالَ لَهُم أنْشدكُمْ الله لَوْ أَنَّ رَجُلا صَحِبَكُمْ وَتَحَرَّمَ بكم فأضل بعيره أَكُنْتُم مقميين عَلَيْهِ يَوْمًا حَتَّى يَطْلُبَ بَعِيرَهُ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ فَوَاللَّهِ لَلَيْلَى أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ الْبَعِيرِ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ
أَأَتْرُكُ لَيْلَى لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ... سِوَى لَيْلَةٍ إِنِّي إِذَنْ لَصَبُورُ
هِبُونِي امْرأَ مِنْكُمْ أَضَلَّ بَعِيرَهُ ... لَهُ ذِمَّةٌ إِنَّ الذمام كَبِير