اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعِشْقِ هَلْ هُوَ مَمْدُوحٌ أَوْ مَذْمُومٌ
فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ مَمْدُوحٌ لأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلا مِنْ لَطَافَةِ الطَّبْعِ وَلا يَقَعُ عِنْدَ جَامِدِ الطَّبْعِ حَبِيسِهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ شَيْئًا فَذَلِكَ مِنْ غِلَظِ طَبْعِهِ
فَهُوَ يَجْلُو الْعُقُولَ وَيُصَفِّي الأَذْهَانَ مَا لَمْ يُفَرِّطْ
فَإِذَا أَفْرَطَ عَادَ سُمًّا قَاتِلا
وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هُوَ مَذْمُومٌ لِأَنَّهُ يستأمر الْعَاشِقُ وَيَجْعَلُهُ فِي مَقَامِ الْمُسْتَعْبَدِ
قُلْتُ وَفَصْلُ الْحُكْمِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنْ نَقُولَ أَمَّا الْمَحَبَّةُ وَالْوُدُّ وَالْمَيْلُ إِلَى الأَشْيَاءِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَالْمُلائِمَةِ فَلا يُذَمُّ وَلا يُعْدَمُ ذَلِكَ إِلا الْحَبِيسُ مِنَ الأَشْخَاصِ
فَأَمَّا الْعِشْقُ الَّذِي يَزِيدُ عَلَى حَدِّ الْمَيْلِ وَالْمَحَبَّةِ فَيَمْلِكُ الْعَقْلَ وَيَصْرِفُ صَاحِبَهُ عَلَى غَيْرِ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ فَذَلِكَ مَذْمُومٌ وَيَتَحَاشَى مِنْ مِثْلِهِ الْحُكَمَاءُ
وَأَمَّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الأَكَابِرِ وَلَمْ يَكُنْ عَيْبًا فِي حَقِّهِمْ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ قَالَ أَنْبَأَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَعْشَقْ وَلَمْ تَدْرِ مَا الْهَوَى ... فَأَنْتَ وَعَيْرٌ بِالْفَلاةِ سَوَاءُ
وَقَدْ رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْزُبَانِيُّ أَنَّ أَبَا نَوْفَلٍ سُئِلَ هَلْ يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنَ الشعق