ابْن جَهْمِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي جَهْمَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جدي قَالَ بَيْنَمَا عمر ابْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَطُوفُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ سَمِعَ امْرَأَةً وَهِيَ تَهْتِفُ مِنْ خِدْرِهَا وَتَقُولُ
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
إِلَى فَتًى مَاجِدِ الأَعْرَاقِ مُقْتَبِلِ ... سَهْلِ الْمُحَيَّا كَرِيمٍ غَيْرِ مِلْجَاجِ
فَقَالَ عُمَرُ لَا أَرَى مَعِي فِي الْمِصْرِ رَجُلا تَهْتِفُ بِهِ الْعَوَاتِقُ فِي خُدُرِهِنَّ عَلَيَّ بِنَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ
فَأَتَى بِهِ وَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُمْ شِعْرًا فَقَالَ عَلَيَّ بِالْحَجَّامِ فَجَزَّ شَعْرَهُ فَخَرَجَتْ لَهُ وَجْنَتَانِ كَأَنَّهُمَا شَقَّتَا قَمَرٍ فَقَالَ اعْتَمَّ فَاعْتَمَّ فَأَفْتَنَ النَّاسَ فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَا تُسَاكِنُنِي بَلَدًا أَنَا فِيهِ قَالَ وَلِمَ ذَاك يَا امير الْمُؤمنِينَ هُوَ مَا قُلْتُ لَكَ فَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ
وَخَشِيَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي سَمِعَ مِنْهَا عُمَرُ مَا سَمِعَ أَنْ يَبْدُرَ إِلَيْهَا عُمَرُ بِشَيْءٍ فَدَسَّتْ إِلَيْهِ أَبْيَاتًا تَقُولُ فِيهَا
قُلْ لِلإِمَامِ الَّذِي تُخْشَى بَوَادِرُهُ ... مَالِي وَلِلْخَمْرِ أَوْ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
إِنِّي غَنِيتُ أَبَا حَفْصٍ بِغَيْرِهِمَا ... شُرْبِ الْحَلِيبِ وَطَرْفٍ فَاتِرٍ سَاجِ
إِنَّ الْهَوَى زَمَّهُ التَّقْوَى فَقَيَّدَهُ ... حَتَّى أَقَرَّ بِإِلْجَامٍ وَإِسْرَاجِ
لَا تَجْعَلِ الظَّنَّ حَقًّا أَوْ تُبَيِّنَهُ ... إِنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُ الْخَائِفِ الرَّاجِي
قَالَ فَبَعَثَ إِلَيْهَا عُمَرُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ خَيْرٌ وَإِنِّي لَمْ أُخْرِجْهُ مِنْ أَجْلِكِ وَلَكِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَسْتُ آمَنُهُنَّ وَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَيَّدَ الْهَوَى حَتَّى أَقَرَّ بِإِلْجَامٍ وَإِسْرَاجٍ
ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْبَصْرَةِ كُتْبًا فَمَكَثَ الرَّسُولُ عِنْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ نَادَى مُنَادِيَهُ أَلا إِنَّ بَرِيدَ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ