من قوة في المسجد.
قالوا لقد غلب التأثر ذلك المهندس الإنجليزي عندما رأي إخلاصهم وصدقهم في بناء المسجد وتنازل لهم عن أجرته في الإشراف على البناء.
وهذا مثل آخر وسوف أنقل لكم هنا فقرة من مذكراتي اليومية أيضا في روديسية:
يوم الثلاثاء الموافق 30 شعبان عام 1386 هـ هنالك في روديسيا يسكن الأفريقيون في أماكن منفصلة ضمن مساحات معينة، تلكم كانت الساسية المتبعة للحكومة الروديسية وقد بنت الحكومة مدينة صغيرة في ضاحية من ضواحي سالسبوري العاصمة وخصصتها للأفريقيين من عمال الشركات والموظفين من القادرين على دفع الأقساط الشهرية المستحقة، وتسمى: هراري. وهي تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة سالسبوري، وتتكون من بيوت جميلة بعضها على شكل دارات (أي فيلات) ، وبعضها على شكل بيوت صغيرة، يتكون كل منها مما يبدوا غرفة كبيرة من الخارج يقسم إلى عدة غرف من الداخل، ويحيط بكل بيت مساحة من الأرض المزروعة، ولولا أن الأرض هناك كلها خضراء لا سميتها حديقة، ويخترق المدينة أو الضاحية المذكورة شوارع واسعة مبلطة وقد عمها النور الكهربائي وأكملت لها المرافق العامة، حتى الملاعب الرياضية منتشرة فيها مما يجعلها تضاهي في المظهر الضواحي الجميلة في مدن الشرق الأوسط إن لم تفقها.
إلا أن ما يضايق الأفريقيين وهو ما يضايق حقا أنهم مجبرون على السكنى منعزلين عن غيرهم من الأوربيين والآسيويين، وحتى الأوربيين والآسيويون، كانوا في السابق ممنوعين حسب أوامر الشرطة من الذهاب إلى مناطق سكن الأفريقيين والاختلاط بهم، ولكن ذلك قد خفت وطأته الآن بسبب المشكلة السياسية التي تتخبط فيها الحكومة الروديسية الحاضرة نتيجة لإعلانها الاستقلال من جانب واحد.
فالإفريقيون في مساكنهم الجميلة تلك كأنما يعيشون في سجن كبي، ًإن ما يهمنا في هذا الموضوع ما يأتي:
يوجد مسجد في تلك الضاحية التي يسكنها الإفريقيون دخلناه فإذا به نظيف جميل البناء، متوسط السعة، يحيط به فناء صغير ألحقت به مدرسة من غرفة واحدة كبيرة، وقد زودت بالمقاعد الدراسية وبالسبورات، وبجانبها غرفتان لسكنى المدرس، والمسجد مع ملحقاته مبني بالآجر، ومفروش بفرش بسطية، ويتسع لحوالي (250) مصليا. والواقع أن بناءه في ذلك المكان وسط حي أغلبية سكانه من الأفريقيين غير المسلمين، مناسب كل المناسبة، وربما يمكن تحويله في المستقبل إلى مركز من مراكز الدعوة الاسلامية في ذلك الحي.