والليرات والدولارات تختلف مقاديرها عدداً ولكن تتفق أفرادها شكلاً، كالكتاب المطبوع يضيع منك فتشتري غيره. أما ذلك الدفتر فمن أين آتي بمثله؟
وأعزّي نفسي أحياناً فأقول: لعلّه لم يكن كما وصفتُه ولعلّ فَقده زيّنه في عيني، كالوالدَين يحصران في ابنهما الذي مات المزايا كلّها وربما لم تكن كلها فيه. ومهما يكن فإن الدفتر قد فُقد، وأسأل الله عِوَضه ثواباً.
لذلك امتنعت بعدها عن الكتابة إلاّ مقالات بعثت بها خلال الرحلة إلى «الرسالة» فنشرها الزيات، رحمه الله وجزاه عني خيراً، وإلى «ألف باء» في دمشق فنشرها الأستاذ يوسف العيسى. ولم أدوّن الذي كتبته عنها والذي أودعتُه كتابي «من نفحات الحرم» إلاّ بعد سنوات طوال.
وما أنشر هنا ما في الكتاب، إلاّ أن أستشهد بفقرات منه أو أن يقتضي تسلسل القصة إعادة شيء ممّا فيه، فأكتبها بأسلوب آخر أو ألخّصها تلخيصاً.
* * *
وبعد، فما قصة هذه الرحلة؟
لمّا وحّد الملك عبد العزيز رحمه الله الجزيرة وأنشأت المملكة «معتمَديّة» في دمشق كان أول معتمَد هو الشيخ ياسين الروّاف. وقد قلت لكم إنه كانت في دمشق أُسَر نجدية الأصل تُسمّى «العقيل»، وكان أبناؤها غالباً أدلاّء للحُجّاج عندما يخرج موكب المحمل. والمسنّون من أهل مكّة والمدينة يعرفون «المَحْمِل