ما سبق هو الذي قلته منذ سنوات في الكتاب الذي كتبته عن جدي رحمه الله (علي الطنطاوي: أديب الفقهاء وفقيه الأدباء)، واليومَ أقول عن نفسي المقالَةَ ذاتَها، وأعترف بأنني كنت سأُحْجم كما كان سيُحْجِم لو عرفتُ ما سأنفقه في مراجعة هذه الذكريات من جهد ووقت. لقد تهيّبت الإقدامَ على «الذكريات» منذ البداية ودافعت هذه المهمةَ ما استطعت، وكان من خطتي أن أراجع الكتب جميعَها قبل أن أقحم نفسي في بحر الذكريات اللُّجَاج، لكنني -على ما بالغت في الحساب والتقدير- لم أقدّر أن يبلغ العمل في مراجعتها الصعوبةَ التي لقيتُها فيه ولا أن يستهلك الوقتَ الذي أنفقتُه.

وهأنذا اليوم أخط كلمات هذه المقدمة ويكاد عامٌ بأكمله ينصرم منذ بدأت بمراجعة السطور الأولى من الذكريات، لا أقول إني أنفقته كلَّه فيها، لكنني أجرؤ أن أقول غيرَ مبالغ ولا متزيّد إنني قد أنفقت فيها نصف أيام العام كاملة أو تزيد!

* * *

لقد كان العمل صعباً لطول هذا الكتاب وتنوّع موضوعاته، وأنا زدته على نفسي صعوبةً حين أردت أن أقترب من الكمال؛ أعني أنني سعيت إلى غاية الإتقان الممكن، أما الكمال الحقيقي فلا يقدر عليه الناس، إنما هو من عمل ربّ الناس.

اجتهدت -أولاً- في تصحيح أخطاء الطبعات السابقة، وهي كثيرة، ولا سيما في الأجزاء المتأخرة. فقد استغنى جدي -رحمه الله- حين صدرت تلك الأجزاء عن المصحِّحين واعتمد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015