عليّ وتلفّت الناس إليّ، وكانت دمشق (كما قلت من قريب) بركة ساكنة في الفكر ولكنها بركان مضطرم هائج في السياسة: نضال للاستقلال وجهاد لدفع الاستعمار (ولو سمّوه بالانتداب)، وكان يعرف ذلك الناس جميعاً، وكان من أناشيدنا أيام الاستقلال على عهد الشريف فيصل (الملك فيصل بن الحسين) أنشودة مشهورة ما في دمشق من لا ينشدها ويردّدها، على ضعف تأليفها:
نحنُ لا نرضى الحمايةْ ... لا ولا نرضى الوصايةْ
نحنُ أَولى بالرّعايةْ ... لبَني العُربِ الكرام
الحماية والوصايهْ ... كلُّها معنى الأسرْ
وعلى العيشِ بذُلٍّ ... أبَداً لا نَصْطَبِرْ
وكان ذلك سنة 1918. ثم غدر بنا الإنكليز الذين وعدوا الحسين فاغترّ وصدّق، وحمله على ذلك خُبث طوايا الاتحاديين وسوء فعالهم ومحاربتهم العربية كيداً للإسلام. أعطاه مكماهون -باسم قومه- المواثيق، ثم عقدوا من وراء ظهره معاهدة «سايكس بيكو» التي تقاسموا فيها بلادنا كما يتقاسم اللصوص الغنيمة التي نالوها حراماً. وأنا لا أنقل صفحات معروفة من التاريخ، وهي تحت يدي لو أردت النقل عنها، ولكني أردت أن يؤمن الشباب بأن «الجميع» علينا، تداعوا لحربنا: حرب ديننا وعقيدتنا، لأن ذلك أساس قوّتنا، فإنْ نُسف الأساس هوى البناء.
تناوبوا توجيه المدفع، يتعب منه واحد منهم فيسلّمه إلى آخر، وهو أبداً موجّه إلينا وقنابله أبداً ساقطة علينا. فمِن بلفور الذي وعد، إلى غورو الذي أغار، إلى ساراي الذي هدم ثلث