في التأليف: «متن» موجز إيجازاً مُخِلاًّ، كأن مؤلّفه بخيل كُلّف بأن يرسله في «برقية» إلى أستراليا يُغرَّم أجرتها من ماله، فهو يقتصد في الكلمات لتقلّ عليه النفقات! وانظروا «جمع الجوامع» و «التحرير» في الأصول مثلاً على هذه المتون، وقابلوا أسلوبه بأسلوب الغزالي في «المستصفى».
كانت أكثر الكتب التي يعكفون عليها بعيدة عن البيان بُعْدَ الأرض عن السماء، معقّدة العبارة، أعجمية السبك وإن كانت عربية الكلمات. فيأتي مَن يوضّح غامض المتن، فيُدخِل جملة من عنده بين كل جملتين منه، كما يرقّعون اليوم الجلد المحروق من الإنسان بقطعة من جلده السليم، فينجح الرتق أو يظهر أثر الفتق، وهذا هو «الشرح». ويأتي مَن يضع لهذا الشرح حواشي وذيولاً، يطوّله فيها فيجمله أو يقبّحه ويعطّله، وهذه هي «الحاشية»، ويبدو ضعف الإنشاء في القرون المتأخرة حتى في مثل حاشية ابن عابدين التي هي اليوم عمدة المفتين على المذهب الحنفي. ثم يجيء مَن يعلّق على هذه الحاشية تعليقات، وتُسمّى «التقريرات». فلا الأسلوب عربي فصيح ولا المنهج قويم صحيح. وانظروا «المبسوط» مثلاً للسرخسي أو «البدائع» للكاساني، ثم انظروا «الحاشية». أو انظروا في مذهب الشافعية «الأم» ثم «مُغني المحتاج»، إن ما بينهما كالذي بين «أسرار البلاغة» وشروح «التلخيص»؛ في كتب الأولين البلاغة والبيان والأسلوب العربي المنير، وفي حواشي الآخرين ... فيها ما تعرفون!
وأزعجت بنقدي العنيف «الأوقاف»، إدارتها وأكثر خطباء مساجدها، فأغرتهم بي. وما كانوا في حاجة إلى إغراء ففيما كتبت