كانت هذه الرسائل التي كتبتها وكانت «حركة العقال» التي قمت بها (وسأتكلم عنها) ممّا شغل الناس في دمشق في تلك الأيام وملأ بذكري مجالسهم، ذكري بالخير تارة وبالشرّ تارات، حملا إليّ كثيراً من القدح وقليلاً من المدح. وكان أحبَّ إليّ لو أن غيري ممّن شهد أيامهما وعرف آثارهما هو الذي كتب عنهما لا أنا، لأني إن ذكرت المزايا أمدح نفسي وإن عددت العيوب آذيتُها.
وما أعني أني صرت بهما وبما سيأتي من أمثالهما (وما أكثر أمثالهما في حياتي) ... ما صرت «مالئ الدنيا وشاغل الناس»، فذلك المتنبي. وما أدري هل تنبّأ حقاً أم هو لقب لبسه، أما أنا فما تنبأت وما لي شيء من عبقرية المتنبي ولا من وصفه وحكمته، ولا أملك مثل روعة شعره ولا أطمع بمثل بقاء ذكره. وماذا ينفع الميّتَ إن ذكره الناس أو نسوه أو مدحوه أو ذمّوه؟ إنما ينفعه ما قدّم من عمل وما يرجو من غفران.
* * *
كانت رسائل أربعاً لم أجد عندي إلاّ الأولى منها، وهاكم صورة جلدتها مكتوباً عليها إنها بقلم محمد علي الطنطاوي، بكالوريوس في الآداب وفي الفلسفة، مطبعة الترقّي في دمشق سنة 1348هـ. ومعنى هذا بالاصطلاح المصري أني محمد وأن أبي هو علي، أما نحن في الشام فنضيف اسم محمد إلى اسم الرجل تبرّكاً وتشرّفاً، واسمي هو علي.
حاولت أن أجد الرسائل الثلاث الأخرى فلم أستطع،