حلبة المصارعة (وما الحياة إلاّ مصارعة) بطبل وزمر وضجّة وصخب؛ نشرتُ سنة 1348هـ «رسائل في سبيل الإصلاح» التي أتكلم الآن عنها، فانتقدت فيها المشايخ وأساليبَهم في التدريس واختيارهم للكتب وبُعدَهم عن العلوم الجديدة، فأثَرتُهم عليّ حتى أُلّفت في الردّ علي كتب منها «الإفصاح عن رسائل الإصلاح» للشيخ أحمد الصابوني رحمه الله. وقد كان خطيباً من أبرع مَن عرفت من الخطباء، يخطب في المساجد يذمّ الشباب المنحرفين ويدعو إلى التمسّك بالدين، يضرب المثل بي وبرسائلي، ولا يخرج حتى يبيع ما يحمله أتباعُه من رسالته. ولمّا تيقّن أنني بعيد عما اتهمني به من مخالفة الدين كتب في آخر الرسالة أنه يسلّني مما قال سلَّ الشعرة من العجين، ولكن ذلك لم يمنعه أن يبيع الكتاب وفيه العجين وفيه الشعرة التي سلّها، وأن يحدّث عنه في المساجد!
ثم أصدرتُ السنة التي بعدها «رسائل سيف الإسلام» التي كانت تُطبع على نفقة طائفة من خيار التجار وتوزَّع بالمجان، هجمتُ فيها على الشبان الجاحدين كما هجمت في الرسائل الأولى على الشيوخ الجامدين، فوضعتُ نفسي بين حجرَي الرحى، وصرت كالواقف في الحرب بين الصفّين يتلقى السهام من الجانبَين.
نبّهت الناس إليّ فظلمتُ إخوتي الذين هم أنبغ مني؛ ذلك لتعلموا أن الشهرة ليست مقياس العظمة ولا المدار عليها في تقدير قِيَم الرجال. لقد عرفت الشهرة وذاع اسمي وأنا ابن إحدى وعشرين سنة، ولي كتاب اسمه «الهيثميات»، لأنني كنت أنشر بإمضاء