«ياجارة الوادي» يومئذ بصوت عبد الوهاب على كل لسان وفي كل مكان، فاخترتها للطلاّب ليحفظوها فيما يحفظون من شعر شوقي. فلما صارت واجباً عليهم كُرّهَت إليهم، وقد كان أكثرهم يحفظها ويحاول أن يغنيها.
لذلك شعرت لمّا تردّدتُ بين البقاء في المحكمة الشرعية أو الانتقال إلى محكمة النقض، شعرت بالضيق لأنني كلما مِلت إلى جانب وتصوّرت أني أفارق الآخر حلا بعيني ما تصوّرت أني مفارقه، لأن الطمع طبع في الإنسان، لا يقنع، حتى إنه «لو كان له وادٍ من ذهبٍ لابتغى له ثانياً» كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، «ولا يملأ عينَ ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب».
اللهم إننا تبنا إليك فتُب علينا.
وقد عرفتم أني كنت أوّل قاضٍ انتقل بمحكمته إلى القصر العدلي لمّا أُنشئ، فأخذت الزاوية الجنوبية الغربية. وخيرُ بيوت الشام ما كان مفتوحَ النوافذ على الجنوب، يليه ما كانت نوافذه على الغرب؛ الأول ينال من الشمس حظاً كاملاً في بلد يمتدّ الشتاء فيه أربعة أشهر وتكون الشمس فيه متعة الشتاء، والثاني حظّه منها النصف. وما كان مفتوحاً على الشرق أخذ الربع، وما كانت نوافذه على الشمال عاش في شتاء دائم.
والعرف في الشام أن الحكومة إن أزمعت إنشاء حيّ جديد اشترت البيوت القديمة كلها من أصحابها بأثمانها فتملّكَتها، ثم هدمتها ونقلت أنقاضها وقسّمت الأرض نظيفة بعد تنظيمها بين