ولابذل الحمّال ثمرة جهد العمر، ولا أعطى كل من أعطى إلاّ ابتغاء ثواب الله. إنها لغة الدين، فإن خاطبتم المسلمين بغيرها لم يفهموا عنكم ولم تصلوا إلى ما تريدون منهم.
والعشرات من الفتيات. العشرات؟ بل المئات والله، اللواتي نزعن أساورهن من أيديهن وأقراطَهنّ من آذانهن وجُدْنَ بها.
ولقد رأيت بعيني ورأى أعضاء اللجنة بعض هذه المشاهد من الحاضرات في المدرَّج. وأنتم تعلمون أن المرأة قد تقطع الخبز عن فمها لتجعل الذهب في يدها، فكيف جادت به وبذلت راضية؟ إنها جادت به لتأخذه أضعافاً مضاعفة: سبعمئة ضعف، وربما زاد ما أخذت عن السبعمئة: {كَمَثَلِ حَبّةٍ أنْبتَتْ سَبْعَ سَنابلَ، في كلِّ سُنْبُلةٍ مئةُ حبّةٍ، واللهُ يُضاعفُ لِمَنْ يشاءُ}. وهذه الفلسطينية التي جاءت يومئذ لاجئة لم تجد ما تجود به، فحملت قِدرها التي تطبخ بها وثلاثة أثواب لها وثلاثين ليرة لا تملك غيرها، ووضعت ذلك بين أيدي لجنة التبرّع.
وليست في ذلك وحدها؛ لقد أعطى كثيرون كل ما يملكون. هذا بائع النفط مرّ «الكشّافون» الذين يجمعون التبرّعات على عربته التي تجرّها دابّته، يبيع منها ليعشّي أهله وأولاده، فسألوه التبرّع، فأخرج درجه وفيه حصيلة يومه كله وصبّه بين أيديهم. لا تحسبوها خيالات شاعر ولا صناعة روائي أديب، إنها والله حقائق رأيت شيئاً منها ورأى المئاتُ سائرَها. أعطاهم كل ما كان في الدرج، كل ما كان يملك في الدنيا من مال. وهل لهذا البيّاع من مال إلاّ ما يجمع في يومه؟