عفوكم، لقد خرجت عن الطريق. وقد كنت أتكلّم عن الشباب لم أكَد أجد بينهم أثراً لرمضان (?)، ومن أين يأتيهم التأثر به والعلماء مُنزَوُون لا يعرفون مشكلات الشباب ليداووها. وهل يمكن وصف الدواء قبل تشخيص الداء؟ وما نراه اليوم في بعض شباب العراق من عودة إلى الدين فقد نشأ بعد الأيام التي أتحدّث عنها، وكان -والشهادة لله- بعمل الصديق الداعية الشيخ محمد محمود الصواف، بعد ذلك الحين بأكثر من عشر سنين، وسيأتي خبره إن شاء الله.
وكنت أحبّ أن أمشي على رجلي في كل بلد أدخلها. فكنت أخرج من الثانوية المركزية إلى آخر شارع الرشيد، عند الباب الشرقي، وما بعد الباب الشرقي إلاّ شارع على امتداده لم يكن قد عُبِّدَ يومئذ ولا سُكن اسمه شارع أبي نواس. فكنّا نؤمّه بعض العشايا، فنجلس مجلساً ما في المجالس أجمل منه منظراً، ونأكل طعاماً ما في المآكل أشهى منه طعماً. المجلس عند دجلة عند الأصيل، والطعام السمك المَسْقوف (المزقوف). يُخرِج لك الصيّاد السمكة من الماء وهي حيّة تضطرب، فينظّفها ويضعها على الجمر المتوقد بحيث تكون سقفاً له، ثم يأتيك بصينية عليها أنواع من الخضر ممّا أعرف كالبقدونس والكرّاث وما لا أعرف، ويأتيك بالخبز قد خُبز الآن. ولكلّ بلد أكلة شعبية، وهذه أكلة بغداد التي يقول المصريون عن مثلها: إنك تستطيبها حتّى تأكل