مثل تلك الكتب، إن سألتَهم عن شيء منها وجدتَ عندهم مثل النبع المتدفِّق، وإن كان سؤالك عمّا لم يجدوه في الكتب جفّ النبع وعجز اللسان، كأنهم يفكّرون بالذاكرة لا يكادون يستعملون الأذهان، ثم إنه قد انقطع ما بينهم وبين الشباب، فلا يفهمون عنهم ولا يصلون إلى القدرة على إفهامهم.
ولم تكن قد وصلَت إلى بغداد الروح الجديدة التي نفخها الله في الشباب على يد الشيخ حسن البنّا. وإذا كان الله يبعث لهذه الأمّة كل مئة سنة من يجدّد لها دينها، أي مَن ينفض عنه ما لحق به من غبار البدع والمُحْدَثات، ويغسله ممّا حاول الأعداء أن يُلصِقوه به من الكيد والافتراء، ويرقِّق القلوب المؤمنة التي قست لمّا طال عليها الأمد، فإن الشيخ حسن البنا هو مجدّد هذا القرن. وما لي به من صلة إلاّ الحبّ في الله، ورفقة الصبا عند خالي مُحِبّ الدين الخطيب في أواخر العشرينيات، في المطبعة السلفية في شارع الاستئناف في باب الخلق. عرفته من تلك الأيام، وأنا في دار العلوم داخلاً إليها وهو خارج منها (?). ولم يأتِ الشيخ حسن بشيء من العدم، فلا يَخلق شيئاً من غير شيء إلاّ الله الذي يقول له: «كُنْ» فيكون. ولكن ما جاء به كجذع الشجرة، تتفرّع الأغصان عنه وتستمدّ منه، ويستمدّ هو من الجذور؛ لولاها لما كان، لكنها مخفيّة لا تُرى وهو البادي للعيان.
وممّن مهّد له الطريق وأمدّه بأسباب الوصول جماعات سبقوا