-100 -
زارنا في بغداد صديق قديم عرفته وأنا صغير جداً قُبيل الحرب العالمية الأولى فأحببتُه، ثم رأيت أثره الخيّر في كل مكان من دمشق فأكبرتُه، ثم لم أعُد أراه فعلمت أني قد افتقدته وأضعتُه. كان إذا جاء ضُربَت لقدومه المدافع واحتفى به الناس، وبدّلوا من أجله برامج حياتهم ومواعيد طعامهم ومنامهم، ولكنه كان -على ذلك- يؤنس نفوسهم ويريح أرواحهم، وكان اسمه رمضان.
ولكنه جاءنا هذه المرّة مستخفياً. قابلته في الأعظمية فرأيته في المسجد وفي الدار وفي السوق، ولكنني لمّا نزلت إلى المدرسة شعرت كأنه ضلّ عني، فصرت ألمحه ولا أتبيّنه، فتّشت عنه بين الشباب فرأيته مثل الشمس في اليوم الغائم، تظهر تارةً ثم يحجبها السحاب.
كانت بغداد في تلك الأيام (1936) مثل الشام ومصر وغيرها من البلاد، فيها شعب متديّن ومع التديّن جهل وابتداع. فيها علماء يحفظون كلّ ما قرؤوا من الكتب، ولكنهم لا يقدرون أن يؤلّفوا