-99 -
إن كانت معك صفحات معدودة فبلغت آخر صفحة وما انتهى الكلام، فهو يُبتَر بتراً. هذا ما حدث للحلقة السابقة من هذه الذكريات؛ كنت أمليها من الهاتف لتُسجَّل في الشريط، فوصل الشريط إلى آخره وما وصل الكلام إلى نقطة الختام.
ولمّا كنت أكتب مقالاتي كانت تقع في الطبع أخطاء النظر، فصرت الآن في أخطاء السمع؛ فكلمة منغّصاً جاءت منظفاً، ونشز صارت نجد، وفيما الموصولة قُطعَت أوصالها فصارت في ما، وبيت بشارة الخوري «وجعلنا الزمنا قطرة في كأسنا» جاء «وجعلنا الزمان» فسقط البيت ... سقط فانكسر، أي أنه صار شعراً حُرّاً. ولو أخطأت المطبعة فجعلت الحاء ميماً وصيّرته شعراً مُرّاً لكان هذا الخطأ هو عين الصواب، فإني أتجرّع مرارة هذا الشعر كلّما قرأته منشوراً في الصحف والمجلاّت.
حاولت في تلك الأيام التي كنت أدرّس فيها تاريخ الأدب أن أتخطى هذه الحدود الواهية التي أقاموها بين العصور، حين قسّموا العصور الأدبية إلى العصر الجاهلي والإسلامي والعباسي.