ونسبته إِلى الشيطان ذمّ على ما ظهر لأبي بكر - رضي اللَّه عنه -. وضبطه عياض بضم الميم، وحكي فتحها. قاله في "الفتح". وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال الإمام: فأما الغناء بآلة مُطربة، فَيُمنع، وبغير آلة اختلف الناس فيه، فمنعه أبو حنيفة، وكرهه الشافعيّ، ومالك، وحكى أصحاب الشافعي أن مذهبه الإجازة من غير كراهة.
قال القاضي: المعروف من مذهب مالك المنع، لا الإجازة.
قلت: ذكر الأئمةُ هذا الخلاف هكذا مطلقًا، ولم يفصلوا موضعه، والتفصيل الذي ذكرنا لا بدّ من اعتباره، وبما ذكرناه يجتمع شَمْل مقصود الشرع الكلّيّ، ومضمون الأحاديث الواردة في ذلك، وينبغي أن يُستثنى من الآلات التي ذكر الإمام الدفُّ، فإنه قد جاء ذكره في هذا الحديث، وفي حديث العُرْس انتهى كلام القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى.
(إِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ) جملة تعليلية، أي لأن هذه الأيام أيام فرح وسرور، فيباح لهما أن يلعبا بالتغني المباح، وفي رواية هشام عند البخاري: "يا أبا بكر، إن لكلّ قوم عيدًا، وهذا عيدنا".
ففيه تعليل للأمر بتركهما، وإيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه - صلى اللَّه عليه وسلم -، لكونه دخل، فوجده مُغَطَّى بثوبه، فظنه نائما، فتوجّه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه، مستصحبا لما تقرّر عنده من منع الغناء واللَّهو، فبادر إلى إنكار ذلك، قياما عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك، مستندا إلى ما ظهر له، فأوضح له النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - الحال، وعرّفه الحكم، مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي يوم سرور شرعيّ، فلا يُنكَرُ فيه مثلُ هذا، كما لا يُنكر في الأعراس.
وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال: كيف ساغ للصديق إنكار شيء أقرّه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -؟
وتكلف جوابا لا يخفى تعسفه.
(وَهُنَّ أَيَّامُ مِنًى) أي تلك الأيام أيام عيد الأضحى، وقولها (وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - يَؤمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ) دفع لما يُتوهّم أن ذلك وقع في منى، حيث قالت: وهنّ أيام منى، يعني أن هذه القصة وقعت في المدينة أيام عيد الأضحى. واللَّه تعالى أعلم، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث متفق عليه، وقد تقدم تخريجه قبل بابين، وبقي ذكر فوائده، فلنذكرها هنا:
فـ منها: ما بوّب له المصنف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو الرخصة في الاستماع إلى الغناء، وضرب الدف يوم العيد. ومنها: مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد