شرح الحديث
(عَنْ أَبِي عَيَّاشِ الزُّرَقِيِّ) زيد بن الصامت - رضي اللَّه تعالى عنه -، وفي رواية البيهقي في "المعرفة": حدثنا أبو عيّاش الزرقي، فصرّح مجاهد بسماعه من أبي عياش، فبطل دعوى الانقطاع، وسيأتي الكلام عليه إن شاء اللَّه تعالى (قَالَ: شُعْبَةُ: كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ) أي كتب منصور بهذا الحديث إلى (وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ) أي قرأت عليه ما كتبه إليّ أيضًا (وَسَمِعْتُهُ مِنْهُ يُحَدِّثُ) أي سمعت من لفظه أيضًا (وَلَكِنِّي) وفي نسخة "ولكن" (حَفِظْتُهُ، قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ: حِفْظِي مِنَ الْكِتَابِ) يعني أن ابن المثنى قال في روايته: قال شعبة: "حفظته من الكتاب"، وقال ابن بشار في روايته: قال: "حفظي من الكتاب". فقوله: "من الكتاب" تنازعه "حفظته"، و"حفظي". واللَّه تعالى أعلم.
وغرض شعبة بهذا أنه أخذ هذا الحديث عن منصور بثلاث طرق، الكتابةِ، والقراءةِ، والسماعِ، ولكن حفظه من الكتاب، وذلك لا يضرّ بصحة الرواية.
[تنبيه]: طرق تحمل الحديث ثمانية:
(الأول): سماع لفظ الشيخ، إملاءً أو غيره، من حفظ، أو من كتاب، وهو أرفع الأقسام عند الجمهور.
(الثاني): القراءة على الشيخ، ويسمّى عند الأكثرين عَرْضًا، سواء قرأه بنفسه، أو سمع من قراءة غيره، وهي صحيحة أيضًا عند الجمهور، واختلفوا في مساواتها للسماع.
(الثالث): الإجازة، والصحيح الذي عليه الجمهور جواز الرواية والعمل بها.
(الرابع): المناولة، والجمهور أيضا على أنها صحيحة.
(الخامس): الكتابة، وهي أن يكتب الشيخ مسموعه لحاضر، أو غائب بخطه، أو بأمره. والأكثرون على جوازها أيضًا.
(السادس): إعلام الشيخ الطالبَ أن هذا الحديث، أو الكتاب مسموعه، دون أن يأذن له في الرواية.
(السابع): الوصية، وهي أن يوصي عند موته، أو سفره بكتاب يرويه.
(الثامن): الوجادة، وهي أن يجد أحاديث بخط راويها, ولم يسمعها منه.
وهذه الثلاثة لا تجوز الرواية بها, ولكن يُعمل بها، إذا صح سندها، كما قال الحافظ السيوطي في "ألفيته":
وَفِي الثَّلاَثةِ إِذَا صَحَّ السَّنَدْ ... نَرَى وُجُوبَ عَمَلٍ فِي الْمُعْتَمَدْ
ولمعرفة تفاصيل هذه الأقسام راجع "تدريب الراوي" للحافظ السيوطيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى ج2 ص 8 - 63، وكذا "ألفيته"، وشرحي عليها.