ما تقدم، من قوله: "سبتًا".
وقوله: "لسرعة ملالة ابن آدم" بفتح الميم مصدر مَلَّ، يقال: مَلِلْتُهُ، ومَلِلْتُ منه، مَلَلاً، من باب تَعِبَ، ومَلَالَةً: سَئِمْتُ، وضَجِرْتُ. قاله في "المصباح". أي لسرعة سآمته، وضَجَره من كثرة نعم اللَّه عليه، إذ كانوا في الجمعة السابقة يشكُون من طول الجدب، فأزال اللَّه عنهم ذلك بدعوة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - المباركة، ثم جاءوا في الجمعة الثانية يشكُون من كثرة الأمطار.
ومن طبيعة الإنسان أن يسأم عند توالي النعم عليه، فلقد سئم بنو إسرائيل من المنّ والسلوى، وطلبوا الأدنى من ذلك، كما قال اللَّه تعالى عنهم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا} الآية [البقرة: 61]، ولقد أحسن من قال وأجاد في المقال [من الرمل]:
يَتَمَنَّى الْمَرْءُ فِي الصَّيْفِ الشِّتَا ... فَإِذَا جَاءَ الشِّتَا أَنْكَرَهُ
فَهْوَ لَا يَرْضَى بِحَالٍ وَاحِدٍ ... قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ
وقوله: "فتكشطت"، أي تكشّفت. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَه، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
...
1528 - (أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا (?) أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ, عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, قَالَ: أَصَابَ النَّاسُ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ, يَوْمَ الْجُمُعَةِ, فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ, وَجَاعَ الْعِيَالُ, فَادْعُ اللَّهَ لَنَا, فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - يَدَيْهِ, وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً, وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ, مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ سَحَابٌ (?)