وفي الأول نظر, لأن قصة الكسوف متأخرة جدًا، فقد تقدّم أن موت إبراهيم كان في العاشر، كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بكثير من الأشراط، والحوادث قبل ذلك.
وأما الثالث فتحسين الظنّ بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف.
وأما الرابع، فلا يخفى بُعْدُه. وأقربها الثاني، فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدّمة لبعض الأشراط، كطلوع الشمس من مغربها, ولا يستحيل أن يتخلّل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء، مما ذكر، وتقع متتالية، بعضها إثر بعض، مع استحضار قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} الآية [النحل: 77].
قال الحافظ: ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يُخرّج على مسألة دخول النسخ في الأخبار، فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال.
وقيل: لعله قدّر وقوع الممكن لولا ما أعلمه اللَّه تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط، تعظيما منه لأمر الكسوف، ليتبيّن لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى، ويفزع، لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط، أو أكثرها.
وقيل: لعلّ حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط، لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط، لم يتقدّم ذكره، فيقع المخوف بغير أشراط، لفقد الشرط، واللَّه سبحانه، وتعالى أعلم انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن الاحتمال الأخير أقرب، واللَّه تعالى أعلم.
(فَقَامَ حَتى أَتَى الْمَسْجدَ، فَقَامَ يُصَلِّي، بأَطوَلِ قِيَام وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهِ قَطُّ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ، الَّتِي يُرْسِلُ اَللهُ) بحَذف العائد المنصوب، وهو جائز، أي يرسلها اللَّه تعالى (لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ) وقوله: (وَلَكِنَّ اللهَ يُرْسِلُهَا، يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ) موافق لقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، (فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا، فَافْزَعُوا) أي الجئوا (إِلَى ذِكْرِهِ) الضمير يعود على اللَّه تعالى في قوله: "يخوف بها عباده" (وَدُعَائِهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ") هذا محلّ الترجمة، وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره, لأنه مما يُدفع به البلاء.
واستدلّ بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر، والدعاء، والاستغفار، وغير ذلك لا يختصّ بالكسوفين؛ لأن الآيات أعمّ من ذلك.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولم يقع في هذه الرواية ذكر الصلاة، فلا حجة فيه لمن استحبّها