الجزأين على أنهما مبتدأ وخبر، ونصبهما، الأول على الإغراء، والثاني على الحال، ورفع الأول، ونصب الثاني، وبالعكس، وتقدم الكلام على ذلك مُستوفًى في شرح حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - في 6/ 1456 (فَصَلىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَةً) هكذا رواية المصنف هنا، وفي "الكبرى": "وسجدة" بالواو، وهو مشكل، إذ يقتضي أنه سجد سجدة واحدة.
والذي في "الصحيحين": "فركع ركعتين في سجدة" بـ "في"، قال في "الفتح": قوله: "ركعتين في سجدة"، المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها، وبالركعتين الركوعان، وهو موافق لروايتي عائشة، وابن عبّاس - رضي اللَّه عنهم - المتقدّمتين في أن في كلّ ركعة ركوعين، وسجودين، ولو ترك على ظاهره لاستلزم تثنية الركوع، وإفراد السجود، ولم يصر إليه أحد، فتعيّن تأويله انتهى (?)
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وهذا هو الموافق لرواية محمد بن حمير الآتية بعد هذا: "فركع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ركعتين، وسجد سجدتين، ثم قام، فركع ركعتين، وسجد سجدتين ... ".
فلعل الواو في رواية المصنف هذه تصحّفت من "في" (?)، أو تصحف قوله: "وسجدة" من "وسجدتين"، كما في الرواية التالية. واللَّه تعالى أعلم.
(ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَةً، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ، وَلاَ سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ، كَانَ أَطوَلَ مِنْهُ) أي من السجود الذي سجده النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في تلك الصلاة، وهو ظاهر في أن السجود في الكسوف يطوّل كما يطوّل القيام والركوع، وأبدى بعض المالكية فيه بحثًا، فقال: لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حدّ الإطالة في الركوع. قال الحافظ: وكأنه غفل عما رواه مسلم في حديث جابر بلفظ: "وسجوده نحو من ركوعه".
وهذا مذهب أحمد، وإسحاق، وأحد قولي الشافعي، وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه، واختاره ابن سُريج، ثُمَّ النوويّ، وتعقّبه (?) صاحب "المهذب" بأنه لم يُنقل في خبر، ولم يقل به الشافعي اهـ. ورُدّ عليه في الأمرين معًا، فإن الشافعيّ نصّ عليه في "البويطيّ"، ولفظه: ثم يسجد سجدتين طويلتين، يقيم في كلّ سجدة نحوًا مما قام في ركوعه. انتهى (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو