وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في مسح الجبهة فى الصلاة، أو بعدها:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وقد اتفقوا على أن تركه في الصلاة أفضل، فإنه يشبه العَبَثَ، واختلفوا، هل هو مكروه، أم لا؟.
قال ابن المنذر رحمه الله: روينا عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: من الجفاء مسح الرجل أثر سجوده في الصلاة، وكره ذلك الأوزاعيّ، وأحمد، ومالك، وقال الشافعيّ: تركه أحبّ إليّ، وإن فعل فلا شيء عليه، ورخّص مالك، وأصحاب الرأي فيه انتهى.
ورُوي عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنه قال: لا يمسحُ وجهه من التراب في الصلاة حتى يتشهّد، ويسلّم. وعن سعيد بن جُبير أنه عدّه من الجفاء. وعن الحسن أنه رخّص فيه. وقال سفيان في نفض التراب عن اليدين في الصلاة: يكره، وأما عن الوجه فهو أيسر.
وفي كراهته حديثان مرفوعان:
أحدهما خرّجه ابن ماجه من رواية هارون بن هارون بن عبد الله بن الْهُدَير، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "إن من الجفاء أن يُكثر الرجل مسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته".
وهارون بن هارون هذا قال البخاريّ: لا يُتابَع على حديثه، وضعّفه التسائيّ، والدارقطنيّ.
والثاني: من رواية سعيد بن عبيد الله بن زياد بن جُبير بن حيّة، عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائماً، أو يمسح قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ في سجوده".
أخرجه البزّار فى "مسنده"، والطبرانيّ، والدارقطني، وغيرهم.
وسعيد هذا احتجّ به البخاريّ، ووثقه أحمد، وابن معين، وأبو زرعة، وغيرهم.
لكنه خولف في إسناد هذا الحديث، فرواه قتادة, والْجُريريّ، عن ابن بُريدة، عن ابن مسعود من قوله.
ورواه كهمس، عن ابن بُريدة، قال: كان يقال ذلك. وهذا الموقوف أصحّ.
وحكى البيهقيّ، عن البخاريّ أنه قال في المرفوع: هو حديث منكر، يضطربون فيه. وأشار الترمذيّ إليه في "باب البول قائماً"، ولم يخرجه، ثم قال: حديث بُريدة في هذا غير محفوظ. قال البيهقي: وقد روي فيه من أوجه كلها ضعيفة.
فأما مسح الوجه بعد الصلاة، فمفهوم ما روي عن ابن مسعود، وابن عباس يدلّ على أنه غير مكروه.