فمنهم من قال: النية تختص بفعل الناوي والإرادة لا تختص
بذلك، كما يريد الإنسان من الله أن يغفر له ولا ينوى ذلك، وقد ذكرنا
أن النية في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة إنما يراد بها هذا المعنى الثاني غالبا،
فهي حينئذ بمعنى الإرادة، ولهذا يعبر عنها بلفظ الإرادة في القرآن كثيرا
كما في قوله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: آية 152]، وقوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: آية 67] وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود: آية 15]، وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} [الشورى: آية 20] وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء: آية 18]، وقوله {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: آية 52]، وقوله {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: آية 28]، وقوله {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: آية 38]، وقوله {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: آية 39].
وقد يعبر عنها في القرآن بلفظ الابتغاء كما في قوله تعالى {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: آية20]، وقوله {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: الآية 265]، وقوله {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة: آية 272]، وقوله {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ} [النساء: الآية 114]، فنفى الخير عن كثير مما يتناجي الناس به إلا في الأمر بالمعروف، وخص من أفراده الصدقة والإصلاح بين الناس بعموم نفعهما، فدل ذلك على
أن التناجي بذلك خير، وأما الثواب عليه من الله فخصه بمن فعله ابتغاء