عن القياس لإمكان الوقوف على النصّ، ولاسيّما في ألفاظ الأذكار، فإنها تجيء خارجةَ عن القياس غالباً، فوقع الأمر كما فهموا، فإنه لم يقلْ لهم: قولوا: الصلاة عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولا قولوا: الصلاة والسلام عليك الخ، بل علّمهم صيغةً أخرى (?).

(فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي منتظراً للوحي (حتى تمنّينا أنه لم يسأله) إنما تمنّوا ذلك خشية أن يكون النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يعجبه السؤال المذكور، لما تقرّر عندهم من النهي عن ذلك في قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].

ووقع عند الطبراني: فسكت حتى جاءه الوحي، فقال: "تقولون" ...

(ثمّ قال) أي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن سكت منتظراً للوحي، فنزل عليه (قولوا: اللَّهمّ) هذه الكلمة كثر استعمالها في الدعاء، وهي بمعنى يا ألله، والميم عوض عن حرف النداء، فلا يقال: اللَّهم غفور رحيم مثلاً، وإنما يقال: اللَّهمّ أغفر لي، وأرحمني، ولا يدخلها حرف النداء إلاّ في نادر، كقول الراجز:

إِنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا ... أَقُولُ يَا اللَّهُمَّ يا اللَّهُمَّا

واختصّ هذا الاسم بقطع الهمزة عن النداء، ووجوب تفخيم لامه، وبدخول حرف النداء عليه مع التعريف.

وإلى هذه القاعدة أشار ابن مالك في "خلاصته"، فقال:

وَبَاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ ... إِلَّا مَعَ اللهِ وَمَحْكِيِّ الْجُمَلْ

وَالأَكْثَرُ اللَّهُمَّ بِالتَّعْوِيضِ ... وَشَذَّ يَا اللَّهُمَّ فِي قَرِيضِ

وذهب الفرّاء، ومن تبعه من الكوفيين إلى أن أصله يا الله، فحُذف حرف النداء تخفيفاً، والميم مأخوذة من جملة محذوفة أصله أُمَّنَا بخير، وقيل: بل زائدة، كما في زُرْقُم للشديد الزُّرْقة، وزيدت في الاسم العظيم تفخيماً. وقيل: بل هو كالواو الدّالّة على الجمع، كأن الداعي قال: يا من اجتمعت له الأسماء الحُسنى، ولذلك شددت الميم، لتكون عوضًا عن علامتي الجمع، وهي الواو والنون في "مسلمون" ونحوه. وقد جاء عن الحسن البصريّ: اللَّهم مَجْمَعُ الدعاء. وعن النضر بن شُمَيل: من قال: اللَّهم، فقد سأل الله بجميع أسمائه.

وقد أفاض العلّامة ابن القيم في هذا البحث في كتابه المتقدّم الذكر بما لا تجده في غيره، فراجعه ص 94 - 106.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015