وارحمني، وعافني، وارزقني"، فلما حفظها قال: "أمّا هذا فقد ملأ يديه من الخير". أخرجه مسلم.

ومعلوم أنه لا يسوغ لأحد أن يقول: اللَّهمّ صلّ عليّ، بل الداعي بهذا مُعْتد في دعائه، والله لا يحبّ المعتدين، بخلاف سؤال الرحمة، فإن الله تعالى يُحبّ أن يسأله عبده مغفرته ورحمته، فعلم أنه ليس معناهما واحداً.

(الوجه الخامس عشر): أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع فيها الصلاة، كقوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، وقوله: "إن رحمتي سبقت غضبي" متفق عليه. وقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، وقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] وقوله: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "للهُ أرحم بعباده من الوالدة بولدها". متفق عليه، وقوله: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (?) وقوله: "من لا يَرحَم لا يُرحَم" متفق عليه. وقوله: "لا تُنزع الرحمة إلا من شقيّ" أخرجه أبو داود، والترمذي بسند حسن. وقوله: "والشاة إن رحمتها رحمك الله". أخرجه أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد" بسند صحيح.

فمواضع استعمال الرحمة في حقّ الله، وفي حقّ العباد لا يحسن أن تقع الصلاة في كثير منها، بل في أكثرها، فلا يصحّ تفسير الصلاة بالرحمة. والله تعالى أعلم.

وقد قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قال: يباركون عليه، وهذا لا يُنافي تفسيرها بالثناء، وإرادة التكريم والتعظيم، فإن التبريك من الله يتضمن ذلك، ولهذا قُرن بين الصلاة عليه والتبريك عليه، وقالت الملائكة لإبراهيم عليه السلام:

{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73]، وقال المسيح عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31] قال غير واحد من السلف: معلّمًا للخير أينما كنت، وهذا جزء المسمى، فالمبارك كثير الخير في نفسه الذي يُحصّله لغيره تعليماً، وإقداراً ونُصحاً، وإرادة واجتهاداً، ولهذا يكون العبد مباركاً، لأن الله بارك فيه، وجعله كذلك، والله تعالى متبارك، لأن البركة كلها منه، فعبده مبارك، وهو المتبارك: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015