وكان أحمد بن حنبل يقول: الشكّ على وجهين: اليقين، والتحرّي، فمن رجع إلى اليقين ألغى الشكّ، وسجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث عبد الرحمن بن عوف (?)، وأبي سعيد - رضي الله عنهما -، وإذا رجع إلى التحري، وهو أكبر الوهم سجد سجدتي السهو بعد التسليم على حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - (?).
وقالت طائفة: معنى التحرّي الرجوع إلى اليقين، لأنه أُمِرَ أن يتحرّى الصواب، والصواب هو الرجوع إلى اليقين، وأنما أُمرَ أن يرجع من الشك إلى اليقين، ولم يؤمر أن يرجع من شك إلى شك.
ومن حجة من قال بهذا أن يقول: لَمّا كان عليَّ إذا شككت أصليتُ الظهر أم لا؟ أن أصليها بتمامها حتى أكون على يقين من أدائها، فكذلك إذا شككت في ركعة منها عليّ أن آتي بها حتى أكون على يقين من أدائها.
ومن قال (?) بخبر أبي سعيد، وابن عباس - رضي الله عنهم - في موضعهما، وبخبر ابن مسعود - رضي الله عنه - في موضعه قال: علينا إذا ثبتت الإخبار أن نُمْضيها كلها، ونستعمل كلَّ خبر في موضعه، وإذا ثبت الخبر ارتفع النظر، ومعنى خبر ابن مسعود غيرُ خبر أبي سعيد، وإذا كان كذلك لم يجز أن يُترك أحدهما، لأن الآخر أشبه بالنظر (?). انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى بتصرف (?).
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى بعد ذكر نحو ما تقدم من الأقوال وأدلتها: ما نصّه:
والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقلّ، والبناء على اليقين، وتحري الصواب، وذلك لأن التحري في اللغة هو طلب ما هو أحرى إلى الصواب، وقد أَمَرَ به - صلى الله عليه وسلم -، وأَمَرَ بالبناء على اليقين، والبناء على الأقلّ عند عروض الشكّ، فإن أمكن