فيأتموا به.
ومنها: أن الكلام سهوًا لا يبطل الصلاة، خلافًا للحنفية.
قال الحافظ رحمه الله تعالى (?): وأما قول بعضهم: إن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ الكلام في الصلاة، فضعيف؛ لأنه اعتمد على قول الزهري: إنها كانت قبل بدر، وقد قدمنا أنه إما من وهم الزهري في ذلك، أو تعددت القصة لذي الشمالين المقتول ببدر، ولذي اليدين الذي تأخرت وفاته بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد ثبت شهود أبي هريرة - رضي الله عنه - للقصة، كما تقدم، وشهدها عمران بن حُصين، وإسلامه متأخر أيضًا، وروى معاوية بن حُدَيج -بمهملة وجيم مصغرًا- قصة أخرى في السهو، ووقع فيها الكلام، ثم البناء، أخرجها أبو داود، وابن خزيمة، وغيرهما، وكان إسلامه قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهرين.
وقال ابن بطال رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون قول زيد بن أرقم - رضي الله عنه -: "ونهينا عن الكلام" أي إلا إذا وقع سهوًا، أو عمدًا لمصلحة الصلاة، فلا يعارض قصة ذي اليدين. انتهى.
ومنها: أنه يستدلّ به على أن المقدّر في حديث "رُفعَ عن أمتي الخطأ والنسيان"، أي إثمهما وحكمهما، خلافا لمن قصره على الإثم.
ومنها: أنه استَدَلّ به من قال: إن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، وتعقب بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلم إلا ناسيًا، وأما قول ذي اليدين له: "بلى قد نسيت"، وقول الصحابة له: "صدق ذو اليدين"، فإنهم تكلموا معتقدين النسخ في وقت يمكن وقوعه فيه، فتكلموا ظنًّا أنهم ليسوا في صلاة، كذا قيل، وهو فاسد، لأنهم كلموه بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لم تُقصر".
وأجيب بأنهم لم ينطقوا، وإنما أومأوا، كما عند أبي داود في رواية، ساق مسلم إسنادها، وهذا اعتمده الخطابي، وقال: حملُ القول على الإشارة مجازًا سائغٌ، بخلاف عكسه، فينبغي رد الروايات التي فيها التصريح بالقول إلى هذه.
قال الحافظ: وهو قويّ، وهو أقوى من قول غيره: يُحمَلُ على أن بعضهم قال بالنطق، وبعضهم بالإشارة، لكن يبقى قول ذي اليدين: "بلى قد نسيت"، ويجاب عنه، وعن البقية على تقدير ترجيح أنهم نطقوا بأن كلامهم كان جوابًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وجوابه لا يقطع الصلاة، كما تقدم في حديث أبي سعيد بن المعَلَّى - رضي الله عنه - 26/ 913.
وتعقب بأنه لا يلزم من وجوب الإجابة عدمُ قطع الصلاة.