الواسطي، وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول، لا يعرف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث؟، لو عقلوا، أو أنصفوا، أمَا سمعوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- حيث يقول: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37]، فدل على أن موسى عليه السلام كان يقول: إلهي في السماء، وفرعون يظنه كاذبًا. [من الطويل]:
فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَقْدِرُ الْخَلْقُ قَدْرَهُ ... وَمَنْ هُوَ فَوْقَ الّعَرْشِ فَرْدٌ مُوَحَّدُ
مَلِيكٌ عَلَى عَرْشِ الْسَّمَاءِ مُهَيْمِنُ ... لِعِزتَّه تَعْنُو الْوُهُ وَتَسْجُدُ
وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت، وفيه يقول في وصف الملائكة:
فَمنْ حَاملٍ إحْدَى قوَائم عَرْشِهِ ... وَلَوْلَا إِلَهُ الْخَلقِ كَلُّوا وَأَبْلَدُوا
قيَامٌ عَلَى الأقْدَام عَانُونَ تحَتَهُ ... فَرَائصُهُمْ مِنْ شَدَّة الْخَوْف تَرْعَدُ
قال أبو عمر: فإن احتجّوا بقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، وبقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 3]، وبقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية [المجادلة: 7]، وزعموا أن الله تبارك وتعالى في كلّ مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى، قيل لهم: لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته، فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجتمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذلك قال أهل العلم بالتفسير.
فظاهر التنزيل يشهد أنه على العرش، والاختلاف في ذلك بيننا فقط، وأسعد الناس به من ساعده الظاهر.
وأما قوله في الآية الأخرى {وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}، فالإجماع والاتفاق قد بين المراد بأنه معبود من أهل الأرض، فتدبر هذا، فإنه قاطع إن شاء الله.
ومن الحجة أيضا في أنه -عَزَّ وَجَلَّ- على العرش فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كَرَبهُم أمر، أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء، يستغيثون ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر، وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكاية، لأنه اضطرار لم يؤنّبهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - للأَمَة التي أراد مولاها عتقها إن كانت مؤمنة، فاختبرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -