وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار، وجاءت الأحاديث في إثبات الشاعة المحمدية متواترة، ودلّ عليها قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]، والجمهور على أن المراد به الشفاعة. وبالغ الواحدي، فنقل الإجماع، ولكنه أشار إلى ما جاء عن مجاهد، وزَيَّفَه، وقال الطبري -رحمه الله-: قال أكثر أهل التأويل: المقام المحمود هو الذي يقومه النبي - صلى الله عليه وسلم، ليريحهم من كرب الموقف. انتهم. ما في "الفتح" باختصار.
وقال بعضهم: والشفاعة من الأمور التي ثبتت بالكتاب والسنة، وأحاديثها متواترة. قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] فنفيُ الشفاعةِ بلا إذن إثباتٌ لها من بعد الإذن، قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]، فبين الله تعالى أن الشفاعة الصحيحة هي التي تكون بإذنه، ولمن يرضى قوله وعمله.
وأما ما يتمسك به الخوارج، والمعتزلة في نفي الشفاعة من مثل قوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}، وقوله: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 123]، وقوله: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} الآية [الشعراء: 100] فإن الشفاعة المنفية هنا هى الشفاعة في أهل الشرك، وكذلك الشفاعة الشركية التي يثبتها المشركون لأصنامهم، ويثبتها النصارى للمسيح والرهبان، وهي التي تكون بغير إذن الله ورضاه. انتهى (?).
[الثاني]: أنه اختلف العلماء في عدد الشفاعة لاختلاف الآثار:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وله - صلى الله عليه وسلم - في القيامة ثلاث شفاعات:
أما الشفاعة الأولى: فيشفع في أهل الموقف حتى يُقضَى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء، آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ابن مريم، عن الشفاعة حتى تنتهي إليه.
وأما الشفاعة الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له.
وأما الشفاعة الثالثة: فيشفع فيمن استحقّ النار، وهذه الشفاعة له، ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها. انتهى (?).
وقال في "الفتح": وقال النووي تبعا لعياض رحمهما الله تعالى: الشفاعة خمس: في الإراحة من هول الموقف، وفي إدخال قوم الجنة بغير حساب، وفي إدخال قوم